قال: [وحدثني أبو الطاهر أحمد بن عمرو بن سرح أخبرنا ابن وهب -وهو عبد الله بن وهب المصري - أخبرنا عمرو بن الحارث -وهو المصري- أن بكير بن عبد الله بن الأشج حدثه عن العجلان مولى فاطمة عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (للمملوك طعامه وكسوته، ولا يكلف من العمل إلا ما يطيق)].
فقوله: (للمملوك)، أي: على سيده، فله حق له واجب في ذمة سيده، وهو إطعامه وكسوته، ولا يكلف من العمل إلا ما يطيق.
قال: [وحدثنا القعنبي قال: حدثنا داود بن قيس -وهو داود الفراء الدباغ أبو سليمان القرشي مولاهم المدني- عن موسى بن يسار -وهو المطلبي مولاهم المدني- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا صنع لأحدكم خادمه طعامه ثم جاءه به وقد ولي حره ودخانه)]، يعني: إذا صنع الخادم لك طعاماً أو شراباً وقد عانى من حره ودخانه وإعداده وصنعته، ومن فعل هذا فلا شك أنه قد شم هذا الطعام، وتاقت نفسه إليه، وهو لم يأكل منه بعد.
قال: [(فليقعده معه -وهذا أمر للسيد أن يقعده معه- فليأكل، فإن كان الطعام مشفوهاً قليلاً)]، ومعنى مشفوهاًَ، أي: امتدت وكثرت عليه الشفاه، والشفاه جمع شفه، بمعنى: أن الأيدي والأفواه التي تأكل من هذا الطعام كثرت جداً بحيث يصير الطعام بالنسبة إلى من اجتمع عليه قليلاً، حتى وإن كان في أصله كثيراً، مثل أن يعد طعاماً يكفي خمسة، ثم يجتمع عليه خمسون، فيكون هذا الطعام قليلاً بالنسبة لهم، ولو وضع لثلاثة لفضل عنهم؛ لأنه كثير، ولو وضع لعشرين فسيكون قليلاً؛ لأنه لم يعد لهذا العدد، وإنما أعد لأقل من ذلك.
قال: [(فإن كان الطعام مشفوهاً قليلاً فليضع في يده منه أكلة أو أكلتين)]، يعني: يضع في يد الخادم لقمة من هذا الطعام أو لقمتين.
[قال داود: يعني لقمة أو لقمتين.
قال النووي: (الظاهر أنه كان عبداً تحت أبي ذر)؛ لأنه قال: (كان بيني وبين بعض إخواني كلام)، أو (رجل من إخواني كلام).
قال: (والظاهر أنه كان عبداً، وإنما قال: (من إخواني)؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (إخوانكم خولكم، فمن كان أخوه تحت يده) إلى آخر الحديث.
وأما قوله: (إنك امرؤ فيك جاهلية)، أي: هذا التعبير من أخلاق الجاهلية).
فهذا الذي قلته وعيرت به أخاك هذا من أخلاق الجاهلية، ففيك خلق من أخلاقهم، وينبغي للمسلم ألا يكون فيه شيء من أخلاق الجاهلية.