قال: (أما قوله في لحم الدجاج: (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يأكل منه)، فيه إباحة لحم الدجاج وملاذ الأطعمة، والدجاج يطلق على الذكور والإناث).
من العجيب أن شخصاً يقول: الدجاج حرام، هل هناك من يقول: إن الدجاج حرام؟! الإمام النووي في القرن السادس الهجري يقول: وفي هذا الحديث دليل على أن لحم الدجاج حلال، فأحياناً نأخذ أقوالاً لأهل العلم نظن أنها من البديهيات، ثم نفاجأ بأنها من الأمور اللازمة فعلاً لإزاحة الغمة عن الأمة، كيف؟ عندما أسمع أن هناك شيخاً في هذا الزمان يقول: إن الكلب حلال طاهر يجوز أكله، ولحم الدجاج الأبيض نجس لا يجوز أكله، ما دليله الذي يزعمه، يقول: إن هذه الفراخ البيضاء أو الدجاج الأبيض إنما يأكل طعاماً قد اختلط بالدم، والدم المسفوح دم نجس، وبالتالي فإن الدجاج الذي يأكل هذا الطعام الذي اختلط بالدم يكون نجساً، نقول: لا يمكن أن يكون هذا أبداً فقهاً؛ لأن الذي يقرأ كتب الفقه يعلم أن هذا ليس فقهاً، وإذا كان هذا فقهاً فكبر على الأمة كلها أربعاً، إذا كان هؤلاء هم الفقهاء المتصدرون فلا حياة للأمة بهذا الشكل أبداً.
وقد دعاني أحد الإخوة إلى غداء فقال: ماذا تريد أن تأكل؟ قلت: أنا أحب السمك.
قال: وأنا أحرمه.
فقلت: يقول النبي عليه الصلاة والسلام في البحر: (هو الطهور ماؤه، الحل ميتته)، فهذا نص صريح لا يجوز لنا الاجتهاد معه، ثم وصلت بالنقاش معه على هذا.
فهذا كلام لا يستحق النقاش، لابد أن يترك من أول وهلة؛ لأنه كلام لا يتفق مع قرآن، ولا مع سنة، ولا مع أقوال أهل العلم، ولا مع العقلاء، لكن صار كلاماً يحتاج إلى نقاش، فمثل من يقول: الظهر ثلاث ركعات، أو مثل من ينظر إلى الشمس ويقول: قد انتهى اليوم، وهي ما زالت في رابعة النهار، فهذا الكلام لا يحتاج إلى نقاش، بل يحتاج إلى نعال، فإذا بهذا الأخ يقول: أنا يغلب على ظني تحريم السمك؛ ولذلك أنا لا آكله عند أحد، قلت له: ولم؟ قال: لأن السمك يأكل لحم الأموات الذين يغرقون في البحار.
لو قال هذا الكلام أمام أناس عوام لصدقوه، يقول: كم من طائرات تسقط في البحر؟ وكم من سفن تغرق في البحر؟ ولحم الإنسان حرام، والسمك يأكله، فالسمك بهذا يكون حراماً.
هذا الكلام لا يمكن أبداً أن يصدق، ولا يمكن أبداً أن يكون ديناً، فأرجو ألا تكون هذه شبهة، ومطلوب مني الرد عليها.
فقوله: (في هذا الحديث إباحة لحم الدجاج، وملاذ الأطعمة، ويقع اسم الدجاج على الذكور والإناث) يعني: أن هذا الدجاج حلال، وهذا فيه الرد على من يقول: إنه حرام، بحجة أن كل مصانع الصناعات الغذائية التي تصنع أغذية الطيور والحيوانات يضيفون نسبة (1%) من الدم الناشف المجفف المعالج على الطعام.
أتتصورون أيها الإخوة أن التحريم متعلق بـ (1%)؟ أعطيكم مثالاً: لو أن راوياً روى مائة حديث، ولكنه خلط في حديث واحد، فهل نقبل المائة الحديث كلها ونعمل بها، أم نرد المائة حديث كلها؛ لأجل أنه خلط في حديث واحد غير معلوم لنا؟ نأخذ الكل، وهذا الكلام محل اتفاق، فلا أحد يخالف فيه؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام يقول: (إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث)، معنى ذلك: أن الكثرة دائماً تغفر الإساءة، فأنت عندما تدخل بلاداً وتجد فيها شخصاً خبيثاً وبقية أهل القرية كلهم طيبين، لا يمكن أن تخرج أبداً من هذه القرية بحكم أن في هذه القرية واحداً منهم غير مرغوب فيه، فهذا ظلم في الحكم على الآخرين.
فالدجاج يأكل نسبة دم (1%) و (99%) من الغذاء حلال، من يقول: إن هذا الطعام حرام أكله، فضلاً أن نتاج هذا الطعام يحرم من باب أولى؟ ما يقول هذا إلا إنسان بالفعل قد فقد عقله، إنسان مخبول، فالبيضة حلال من باب أولى.
يقول النبي عليه الصلاة والسلام كما في حديث النعمان بن بشير في الصحيحين: (الحلال بين والحرام بين)، وقد شرحنا هذا الحديث مراراً، حتى لا يقول أحد: هذا الطعام الذي يعد للدجاج الأبيض محل شبهة، نقول: لا، ليس شبهة، فنسبة (1%) لا تعد شبهة؛ لأنه لا يصح أبداً أن نجعل ديننا كله عبارة عن شبهات، نتوقف في كل شيء لأجل أن فيه شبهة، ولا أريد أن أعيد هذا الكلام؛ لأننا شرحنا هذا الحديث في أربع محاضرات، فيغني عن إعادته، فلا أريد أن أسمع شخصاً يقول: إن طعام الدجاج فيه شبهة لأجل (1%) من دم في وسط (99%) من طعام حلال، فلا خلاف على حله.