حكم الحلف باليهودية والنصرانية والبراءة من الإسلام والنبي

قال النووي: (أما قوله صلى الله عليه وسلم: (من حلف منكم فقال في حلفه: باللات والعزى؛ فليقل: لا إله إلا الله)، إنما أمر بقول: لا إله إلا الله؛ لأنه تعاطى تعظيم صورة الأصنام حين حلف بها، قال أصحابنا: إذا حلف باللات والعزى وغيرهما من الأصنام، أو قال: إن فعلت كذا فأنا يهودي أو نصراني، أو بريء من الإسلام، أو بريء من النبي صلى الله عليه وسلم أو نحو ذلك؛ لم تنعقد يمينه)، بل هذا لا يصلح أن يكون يميناً؛ ولذلك لو قال إنسان: أكون يهودياً إن فعلت كذا، فهل هذا يعد يميناً؟

صلى الله عليه وسلم لا، كما أنه لا يحل لأحد أن يقول هذا؛ لأن من قال: أنا يهودي إن فعلت كذا أو نصراني، أو أنا بريء من الإسلام، فهذا الكلام كله على خلاف بين أهل العلم، منهم من يقول: عليه أن يتوب إلى الله عز وجل، وإن حنث في اليمين فلا كفارة عليه.

ومنهم من يقول: بل عليه كفارة يمين.

ومنهم من يقول: إذا انعقدت نيته على أنه يمين انعقد يميناً.

وأخطر من ذلك اختلافهم في كفره أو عدمه.

فمنهم من قال: من قال: أنا يهودي إن فعلت كذا وفعل، أو أنا بريء من الإسلام إن لم أفعل كذا ولم يفعله، أي: حنث في هذا الكلام؛ فمنهم من قال: لو توجهت نيته إلى ذلك يلزمه كفارة يمين.

ومنهم من قال: حنثه باليمين أولى من وقوع الكفر عليه؛ لأن اليهودية كفر، والنصرانية كفر، وكل ما دون الإسلام كفر، فلو علق المرء إيمانه على هذه الملل والنحل الباطلة كان الأولى به، يستدلون بحديث النبي عليه الصلاة والسلام: (من قال: أنا بريء من دين الإسلام، أو أنا يهودي؛ فإن كان كاذباً فهو أولى به، وإن كان صادقاً فلن يرجع إلى الإسلام سالماً).

قال النووي: (أو قال: إن فعلت كذا فأنا يهودي أو نصراني، أو بريء من الإسلام، أو بريء من النبي صلى الله عليه وسلم أو نحو ذلك؛ لم تنعقد يمينه، بل عليه أن يستغفر الله تعالى ويقول: لا إله إلا الله، ولا كفارة عليه سواء فعله أم لا، هذا مذهب الشافعي ومالك وجماهير العلماء)، يعني: هذا ليس يميناً، حتى وإن حنث فيه فما عليه إلا أن يستغفر الله تعالى.

ثم قال: (وقال أبو حنيفة: تجب الكفارة في كل ذلك -أي: إذا حنث وجب عليه أن يكفر- إلا في قوله: أنا مبتدع، أو بريء من النبي صلى الله عليه وسلم، أو واليهودية)، يعني: إذا حلَّف القاضي شخصاً فقال: قل: والله العظيم لأقولن الحق، ثم قال: واليهودية لأقولن الحق، فلو أنه قال ذلك فهو عند الأحناف يجب عليه كفارة، إن كان كاذباً أو حنث في اليمين.

ثم قال: (واحتج بأن الله تعالى أوجب على المظاهر الكفارة؛ لأنه منكر من القول وزور، والحلف بهذه الأشياء منكر وزور)، لكن كلام الجمهور في مقابلة الكلام للأحناف يحتاج إلى توثيق واحتياط في ما يتعلق بمن حلف بغير الله كمن حلف باليهودية.

الجمهور يقولون: لا تنعقد عليه، وإنما يلزمه أن يتوب إلى الله تعالى.

والاستغفار والتخلص من هذا بأن يقبل على طاعة الله كصلاة أو صيام أو تسبيح أو ذكر أو قراءة قرآن أو غير ذلك، وبين إنسان خطر بقلبه أن يسرق، ثم اتخذ لذلك الوسائل المؤدية إلى حصول السرقة، استقر في قلبه تماماً، فانطلق وأعد العدة واتخذ آلة لما عساه أن يكون بينه وبين إكمال السرقة، ثم ركب الدابة وانطلق إلى المكان الذي أراد سرقته، فلما ذهب إلى هناك وجد العسكر والحراس وغير ذلك، فحال بينه وبين وقوع السرقة منه هؤلاء، وهذا أمر خارج عن إرادته؛ فلا يستوي قط.

فهذا الرجل اتخذ الوسائل المؤدية إلى إتيان المعصية أو الذنب، ففرق بين إنسان انتبه من غفلته ورجع عن ذنبه بمجرد أن خطر على قلبه ذلك، بخلاف هذا الذي لم يرجع إلا لأنه لم يتمكن من المعصية، فإنه يأثم؛ لأنه اتخذ خطوات عملية لإتمام الذنب والمعصية، وهذه الخاطرة لم تكن خاطرة فحسب، بل استقرت هذه الخاطرة، فانطلقت الجوارح لإتمام مراده، لكن حال بينه وبين وقوع الذنب حوائل خارجة عن إرادته.

كان لي زملاء وطلاب في الجامعة، والجامعة في كل زمان ومكان هي أس البلاء والفساد، وهي مرتع خصب للشياطين، فيها شباب في مقتبل نضجهم البدني والعقلي، لكن الموفق من حفظه الله تعالى، والهالك من انحرف عن طريق الله عز وجل، فهؤلاء الطلاب أثاروا شبهة: أن الله خالق كل شيء، فمن خلق الله؟ فبعضنا سدد ووفق بتوفيق الله عز وجل له، وتصدى لهذا الكلام الباطل بأنه لا يجوز إثارته أصلاً؛ لأنه من الشيطان لا محالة.

والبعض الآخر قال: هذا كلام وجيه، وهو بصيغة سؤال يطرح، فَلِمَ لا تجيبون عليه؟ إذاً: أنتم ضعفاء، ولا علم عندكم، وهذا كلام تريدون أن تستروه عن الأذهان، فلما انجرفوا في هذا التيار إذا بهم الآن من كبار الملاحدة: من كتاب وصحفيين، وأنا أعرف كثيراً ممن كانوا زملاء لي هم الآن أقلام للعلمانية والماسونية والإلحاد وغير ذلك، ولذلك إذا تذكرت أحدهم قلت: اللهم لك الحمد على التوفيق والسداد، فالهداية نعمة عظيمة جداً تستوجب الشكر، فكون الله عز وجل يعصمك وأنت

طور بواسطة نورين ميديا © 2015