قال سيد سابق رحمه الله تعالى: كان العرب يهتمون بالكلام المبدوء بالقسم، فيلقون إليه السمع مصغين؛ لأنهم يرون أن قسم المتكلم دليل على عظم الاهتمام بما يريد أن يتكلم به، وأنه أقسم ليؤكد كلامه، وعلى هذا جاء القرآن يقسم بأشياء كثيرة، منها: {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} [ق:1].
ومنها: {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} [الشمس:1].
{وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى} [الليل:1 - 2]، وإنما كان ذلك لحِكَمٍ كثيرة في المقسم به والمقسم عليه.
من هذه الحكم: لفت النظر إلى مواضع العبرة في هذه الأشياء المقسم بها، والحث على تأملها؛ حتى يصلوا إلى وجه الصواب فيها.
فقد أقسم الله تعالى بالقرآن لبيان أنه كلام الله حقاً، وبه كل أسباب السعادة.
وأقسم بالملائكة لبيان أنهم عباد الله خاضعون له، وليسوا بآلهة يعبدون.
وأقسم بالشمس والقمر والنجوم؛ لما فيها من الفوائد والمنافع، وأن تغيرها من حال إلى حال يدل على حدوثها -أي: على أنها مخلوقة- وأن لها خالقاً وصانعاً حكيماً، فلا يصح الغفلة عن شكره والتوجه إليه.
وكذلك أقسم سبحانه بالريح والطور والقلم والسماء ذات البروج؛ إذ إن ذلك كله من آيات الله التي يجب التوجه إليها بالفكر والنظر.
أما المقسم عليه فأهمه وحدانية الله عز وجل، ورسالة النبي صلى الله عليه وسلم، وبعث الأجساد مرة أخرى بعد الموت، ويوم القيامة؛ لأن هذه هي أسس الدين التي يجب أن تعمق جذورها في النفس، والقسم بالمخلوقات مما اختص الله تعالى به نفسه.
يعني: لا يجوز لأحد أن يقسم بشيء من المخلوقات، إنما ذلك قسم خاص بالله عز وجل، أما نحن البشر فلا يصح لنا أن نقسم إلا بالله، أو بصفة من صفاته على النحو الذي قدمناه كثيراً.
قال الإمام النووي: (وفي هذا الحديث إباحة الحلف بالله تعالى وصفاته كلها، وهذا مجمع عليه.
وفيه النهي عن الحلف بغير أسمائه سبحانه وتعالى وصفاته، وهو عند أصحابنا -أي: الشافعية- مكروه ليس بحرام) يعني: أن الحلف بغير الله وأسمائه وصفاته محل نزاع بين أهل العلم: فمنهم من ذهب إلى الحرمة.
ومنهم من ذهب إلى الكراهة.