قال: (ولو كان النذر في غير المال كأن يكون في العبادة مثل الصيام فقد قال صلى الله عليه وسلم: (من مات وعليه صيام صام عنه وليه).
ومذهب الجمهور: أن الأمر هنا للاستحباب.
ومذهب الظاهرية والحنابلة وبعض الشافعية: أن الأمر للوجوب والتعيين)، ومعنى التعيين: أنه يلزم منه العوض، فلا يوجد فيه كفارة، إلا إذا عجز الولي؛ لأن الذي عليه الصيام نفسه لو أنه عجز عن الصيام لنفسه لانتقل إلى البدل وهو الكفارة، وهي إطعام مسكين عن كل يوم، فإذا كان أولياء الميت كلهم ليس لديهم قدرة على الصيام فعليهم أن يطعموا عن كل يوم مسكيناً، فإذا كانوا لا يملكون حتى قوت يومهم، وعجزوا عن الإطعام لم يلزمهم كفارة؛ لأن الكفارة وإن كانت واجبة إلا أن كل واجب في الإسلام يسقط بعدم القدرة عليه، وكذلك تسقط الكفارة إن لم يكن للميت من يصوم عنه، فالكفارة تسقط بعدم القدرة كمن عجز عن الوضوء وعن التيمم يلزمه أن يصلي فاقد الطهورين، وهذا أمر مقرر وأنتم تعلمونه.
وإذا كان ورثة أو أولياء الميت قادرين على الصوم، وكان على الميت صيام فرض أو صيام نذر، أي: الصيام الواجب، وأما صيام النافلة فلا يلزمهم؛ لأنه لا يلزم الميت أصلاً.
ولو مات شخص وعليه عشرة أيام من رمضان، وعنده خمسة أولاد، فصام كل منهم عنه عشرة أيام -أي: صاموا عنه خمسين يوماً، والذي على الميت عشرة أيام فقط- فالذي يجزئ عنه عشرة أيام فقط، وأما الأربعون يوماً الباقية لم تصادف محلاً.
ويجوز تقسيم الأيام على الأولاد، وصيامهم إياها جميعاً في يوم واحد، فلو قسمت العشرة أيام على الخمسة الأولاد فسيكون على كل واحد منهم يومان فقط، فلو صاموها جميعاً في يومين فصيامهم صحيح.
وقال بعض أهل العلم: لا بد من تقسيم العشرة أيام على عشرة أيام، أي: على عشرة نهارات، وهذا تحكم بغير دليل، وهم يستدلون على ما ذهبوا إليه بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (فليصم عنه وليه)، أي: ولي واحد، لأنه لم يقل: فليصم عنه أولياؤه، وهذه ظاهرية شديدة جداً، وهو كمن يكثر مثلاً من النهي عن الصلاة بين السواري، فإذا رأى في مسجد سارية واحدة لم ينه عن الصلاة بجانبها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة بين السواري وليس السارية الواحدة، فهو تحجر على ظاهر النص، في حين أن المقصود علة النص، وعلة النص هي عدم قطع الصف، وهذه العلة تتحقق في السارية والساريتين والثلاث، فلا يقولن أحد: الحديث نهى عن الصلاة بين السواري ولم ينه عن الصلاة بجانب السارية الواحدة.
وهذا مثل ابن حزم عندما قال: لو أن أحداً بال في الماء وهو واقف نجسه؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (لا يبولن أحدكم في الماء الدائم)، وفي رواية: (في الماء الراكد)، يعني: الجاري، (ثم يغتسل فيه من الجنابة)، أي: أن العلة هي التنجيس، يقول ابن حزم: فلو أنه بال في قارورة أو في ركوة ثم صب البول في الماء فإنه لا يتنجس.
قال: لأنه لم يبل مباشرة في الماء، والحديث يفهم منه أن يبول في الماء، ولا يقال لغة لمن بال في زجاجة ثم ألقى البول في الماء الراكد أنه قد بال.
وهذا تحكم بغير برهان، وإنما هو وقوف عند ظاهر النص بغير النظر إلى العلة، ومن المعلوم قطعاً عند المسلمين أن الشرع إنما أتى لحكمة عظيمة جداً، وهذا قد غفل عن الحكمة من النص؛ لأنه فرق بين المتماثلين، وجمع بين النقيضين بغير دليل ولا برهان.
وهذا الفقه المخالف لما عليه جماهير علماء الأمة لا بد أن يطرح جانباً؛ والشيخ أحمد شاكر عليه رحمة الله لما تصدى لتحقيق كتاب المحلى لـ ابن حزم قال: ما أتعبني أحد قط في حياتي العلمية ما أتعبني ابن حزم؛ لأن له من المخالفات سواء الحديثية أو الفقهية الشيء الكثير، عليه رحمة الله.
ومذهب الجمهور أن الوارث لا يلزمه قضاء النذر الواجب على الميت إذا كان غير مالي، فلو قال الوارث: لن أصوم عن الميت؛ لأن الأمر الصادر إلينا بالصوم عنه أمر استحباب، والاستحباب لا إكراه فيه، ولا إجبار.
وقضاء الصوم عن الميت أولى، فإن امتنع الولي عن قضاء الصيام أجزأته الكفارة خلافاً للأولى، وبعضهم يمتنع عن الصيام عن الميت ويقول: أنا خرجت من رمضان متعباً، ولا أقدر على الصيام، فسأطعم عنه ثلاثين مسكيناً، أو حتى ثلاثمائة.
قال: (وإذا كان مالياً ولم يخلف تركة يستحب له ذلك، وهذا مذهب الجمهور) أي: أنه يستحب له أن يصوم عنه، ويستحب له كذلك أن يقضي عنه نذره إن كان مالياً ولم يكن للميت ما يقضى به هذا النذر، فإذا كان الوارث أو الولي عنده من المال ما يفي بنذر ميته فإنه لا يجب عليه القضاء عنه، وإنما يستحب في حقه.
قال: (وقال أهل الظاهر: بل يلزمه ذلك؛ لحديث سعد هذا.
ودليلنا: أن الوارث لم يلتزمه فلا يلزم)، وهذا الوارث إنما يلزمه الصوم إذا ألزم نفسه بذلك، ويلزمه قضاء الدين عن الميت إذا ألزم نفسه بذلك.
وهذا كله بصرف النظر عن وصية الميت، يعني: إذا كان ال