والباب الثاني: (باب: تأمير الإمام الأمراء على البعوث، ووصيته إياهم بآداب الغزو وغيرها).
أي: باب: وجوب تأمير الإمام العام الأمراء على البعوث والسرايا، ووصيته إياهم بآداب الغزو وغيرها.
فيه حديث سليمان بن بريدة عن أبيه [قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمر أميراً على جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى الله عز وجل ومن معه من المسلمين خيراً)] أوصاه في نفسه وفيمن معه من المسلمين خيراً وأوصاه بتقوى الله.
[ثم قال: (اغزوا باسم الله في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، اغزوا ولا تغلوا)] والغلول: هو الأخذ من الغنيمة قبل توزيعها.
أي: بغير إذن الإمام.
قال: [(ولا تغدروا ولا تمثلوا)] أي: لا تقطعوا الجثث بعد موتها، فإذا مات انتهى أمره، وليست هناك حاجة ولا ضرورة إلى التمثيل بجثته أو تقطيعها.
قال: [(ولا تقتلوا وليداً)] أي: ولا تقتلوا صبياً أو طفلاً صغيراً.
قال: [(وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال أو خلال، فأيتهن ما أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم: ثم ادعهم إلى الإسلام -ادعهم أن يدخلوا في هذا الدين- فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم -أي: لا تقاتلهم- ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين)] أي: من بلد الكفر إلى المدينة المنورة.
قال: [(وأخبرهم أنهم إن فعلوا ذلك فلهم ما للمهاجرين، وعليهم ما على المهاجرين، فإن أبوا أن يتحولوا منها فأخبرهم أنهم يكونون كأعراب المسلمين)] لأن الأعراب والبدو لهم أحكام في الشرع تخصهم خاصة في نتاج الجهاد.
قال: [(يجري عليهم حكم الله الذي يجري على المؤمنين، ولا يكون لهم في الغنيمة والفيء شيء)] وهذا هو حكم البدو الذين لم يشاركوا في القتال.
قال: [(ولا يكون لهم في الغنيمة والفيء شيء، إلا أن يجاهدوا مع المسلمين، فإن هم أبوا فسلهم الجزية، فإن هم أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم)].
إذاً: المرحلة الأولى: ادعهم إلى الإسلام، فإن أبوا فاقبل منهم الجزية، فإن أبوا فقاتلهم.
وهذه المراحل الثلاث مراحل جهاد الطلب؛ لأنه لا يتصور أبداً في جهاد الدفع أن يفرض المسلمون على العدو أن يدخلوا في الإسلام، خاصة وأن العدو قد أتاهم من بلاده ليقاتل المسلمين في بلادهم، وما سمي جهاد الدفع بهذا الاسم إلا لأنك تدفع العدو إذا أغار عليك، ولكن النبي عليه الصلاة والسلام جوز للمسلمين أن يغيروا على بلاد الكفر ويخيروهم بين ثلاث: الإسلام، أو دفع الجزية عن يد وهم صاغرون، أو القتال.
فقال: [(فإن هم أبوا فاستعن بالله وقاتلهم)] أي فإن أبوا أن يدفعوا الجزية فاستعن بالله وقاتلهم.
قال: [(وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تجعل لهم ذمة الله وذمة نبيه، فلا تجعل لهم ذمة الله ولا ذمة نبيه، ولكن اجعل لهم ذمتك وذمة أصحابك، فإنكم إن تخفروا ذممكم -أي: إن ترجعوا عن هذه الذمة أو تخطئوا فيها- خير لكم وأهون من أن تخفروا ذمة الله وذمة رسوله، وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تُنزلهم على حكم الله فلا تُنزلهم على حكم الله، ولكن أنزلهم على حكمك، فإنك لا تدري: أتُصيب حكم الله فيهم أم لا)].