إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102] {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:1].
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب:70 - 71].
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، فقد كنا انقطعنا عن مواصلة السير في كتاب الجهاد والسير بعد أن تعرضنا له في محاضرتين أو ثلاث، فأقول: يحسن بنا أن نراجع مراجعة سريعة كتاب الجهاد من أوله حتى يتصل حبل الفكر، ونتذكر ما كان قد مضى.
الباب الأول: (باب جواز الإغارة على الكفار الذين بلغتهم دعوة الإسلام من غير تقدم الإعلام بالإغارة).
لأنهم قد سبقتهم دعوة الإسلام ابتداءً، وهذه المسألة محل نزاع بين أهل العلم، فمنهم من جوز الإغارة مطلقاً، ومنهم من منعها مطلقاً، والصواب -وهو الرأي الثالث- أن من بلغتهم دعوة الإسلام فالإغارة عليهم جائزة، ومن لم تبلغهم دعوة الإسلام فالإغارة عليهم ممنوعة إلا بعد إعلامهم بدعوة الإسلام، في هذا الباب حديث ابن عون أنه قال: [كتبت إلى نافع وهو مولى عبد الله بن عمر أسأله عن الدعاء قبل القتال، أي: عن دعوة الناس قبل قتالهم.
قال: فكتب إلي: (إنما كان ذلك في أول الإسلام.
قد أغار النبي صلى الله عليه وسلم على بني المصطلق وهم غارون -أي: وهم غارون في بيوتهم لا يعلمون عن قتاله عليه الصلاة والسلام شيئاً- وأنعامهم تسقى على الماء، فقتل مقاتلتهم وسبى سبيهم، وأصاب يومئذ جويرية بنت الحارث)].