من فوائد هذا الحديث: أن هذا الرجل حينما أقر بالإيمان وأذن له النبي صلى الله عليه وسلم في الجهاد دون تربية سابقة وإعداد للقتال كان استثناءً؛ لأن الرجل أتى وقد التقى الجيشان -جيش الإيمان وجيش الكفر- وهذا الرجل أعلن الإيمان في اللحظة التي يعقبها القتال، فيسأل: هل أنت مؤمن؟ قال: نعم.
أنا مؤمن.
فيقول له: ادخل دون صلاة ولا صيام ولا زكاة.
ولا أي معلم من معالم الإيمان غير أنه نطق بالشهادتين.
لكن الجيش الذي خرج به النبي عليه الصلاة والسلام من المدينة كان جيشاً متربياً على الإيمان، فالأصل أن التربية قبل الجهاد، فالذي يزعم أن الجهاد يعقبه التربية هذا زعم غلط، وهو مخالف لسيرة النبي عليه الصلاة والسلام وسيرة أصحابه، فالجهاد يحتاج إلى إعداد إيماني متين؛ ولذلك الأمة لا يمكن أن تجاهد كلها إنما يجاهد منها فئة مخلصة مؤمنة هم أتباع الرسل، وهم أتباع الرسول عليه الصلاة والسلام، الذين يستشرفون بعد عشرات السنين في العلم والصلاة والزكاة والصيام وقيام الليل والتدريب على التقوى والإيمان، هؤلاء هم الذين يثبتون حين اللقاء، أما الذين لم يتربوا وقد دعوا إلى القتال لا نية لهم ولا يعرفون معنى الراية؛ لأنهم ليسوا تحتها ابتداء ولا أصلاً، ولا يحمونها؛ ولذلك هم يعدون القتال مع العدو مهلكة للدماء، ومهلكة للأموال وللأنفس، وخراب للاقتصاد، وضياع للبلاد وهكذا نسمع في كل يوم أنهم يقولون هذا، أنهم يقولون: لِم نقاتل وبعد القتال نصطلح؟ فلماذا لا نصطلح من البداية قبل القتال.
ثم يقولون: نقاتل لماذا؟ إنما نحمي بلادنا، فلا علاقة لنا بفلسطين ولا بالشيشان ولا بأفغانستان هؤلاء لم يفهموا شيئاً في دين الله عز وجل، ولا علاقة لهم به؛ لأن علاقتهم بالله منقطعة أصلاً، وعلاقتهم بالدين وبالأحكام الشرعية منقطعة ابتداء، فهم قد حجب الله تعالى عنهم نور الإيمان، ويتكلمون بالكلام النجس النتن الذي يتعلمونه في سياساتهم، أما دين الله عز وجل فهم أبعد الناس عنه، فكيف يقاتلون إذاً؟ كما أنهم ربوا شعوبهم وربوا هذه الأمة على هذه الأخلاق الفاسدة والعقائد الباطلة، فصارت هناك أجيال تربت على الزنا والخنا وشرب الخمر والميوعة وغير ذلك، فيقولون: نقاتل بمن؟ نعم فعندكم حق، لا قاعدة معكم تسندكم في هذا القتال؛ لأنكم ربيتم الأمة كلها على الفساد وعلى الباطل حتى إذا احتجتموهم في موطن الهلاك والضيق لم تجدوا واحداً.
وهذا ثمرة الأعمال، فحينما ربيتموهم على الفساد لا ينفعوكم عند الحاجة أبداً.
والعجيب أنهم يخافون من رفع راية الجهاد وتسليم الراية إلى المجاهدين حقاً مخافة على أنفسهم، فهم يفهمون هذه القضية جيداً، ويفهمون أن ثلة قليلة من المؤمنين أوقفت أعظم دولة كافرة في العالم على أظافرها، وألحقوا بهم مضرات لا قبل لهم بها، فيقولون: فما بالهم لو تفرغوا لنا! كل هذا مخافة على الكراسي والأموال وغير ذلك؛ فإنا لله وإنا إليه راجعون.
فالأصل التربية قبل الجهاد، فالذي يقول: الجهاد قبل التربية مخطئ، ولو أنه استند إلى مثل هذا النص فنقول له: هذا استثناء وليس أصلاً، بدليل أن الجيش نفسه الذي خرج به النبي صلى الله عليه وسلم لم يخرج به لأول وهلة، بمجرد أنه آمن، وإنما حينما آمن رباه في مكة ثلاثة عشر عاماً، حتى كان الإيمان في قلوبهم كالجبال الرواسي، وازدادوا بالأنصار في المدينة فصاروا جيشاً تتزلزل أمامه الجبال الرواسي، فلا تترك هذا كله وهو الأصل وتتمسك بالاستثناءات، لك أن تتصور أن النبي صلى الله عليه وسلم وضعه في المكان المناسب، هل النبي صلى الله عليه وسلم سيضعه في مكان أبي بكر أو في مكان عمر؟ بل لا بد أن يرجع إلى الخلف، فأنت حينما تذهب لأي جيش من الجيوش يقبلك على مضض؛ لأنك لست مدرباً ولا مهيأً، ولا تعرف طبيعة الأرض ولا تعرف طبيعة الحرب في هذا المكان بالذات؛ لأن كل أرض لها طبيعة، حتى لاعب الكرة يقول: الأرض تلعب مع أصحابها.
إذاً: فلا بد أن يقاتل من عرف طبيعة الأرض، ولا شك أن النبي صلى الله عليه وسلم قد وضعه في المكان المناسب.
ولذلك جاء في الحديث الآخر: أن النبي عليه الصلاة والسلام استعان بـ صفوان بن أمية قبل إسلامه رضي الله عنه، طلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يقاتل فأذن له النبي صلى الله عليه وسلم أن يقاتل؛ وذلك لأن صفوان بن أمية كان متعاطفاً مع النبي صلى الله عليه وسلم حتى قبل الإسلام، وكان محباً للنبي صلى الله عليه وسلم ومحباً للإسلام، ومسالماً للنبي عليه الصلاة والسلام ومن معه، كما أن أبا طالب والد علي رغم كفره إلا أنه كان متعاطفاً مع ابن أخيه، وكان يذب عنه ويدافع عنه، فهذا كافر ولكنه مسالم، بخلاف الكافر المحارب.
والمصيبة أنك حينما تدخل شركات مسلمة تجد المصنّعين مسلمين، ولكنك تجده ليس له طعم ولا لون ولا رائحة، ولا علاقة لهم بالإسلام، فهم لا يصلون ولا يصومون ولا يؤدون زكاة ولا شيئاً من الدين أبداً، وربما تجد صاحب الشركة النصراني يؤ