الباب الأخير في كتاب الجهاد وهو (باب كراهة الاستعانة في الغزو بكافر).
قال: (باب كراهة) ولم يقل: باب تحريم، كما أنه لم يقل: باب جواز، وإنما أخذ الكراهة من نصين: نص يجيز مطلقاً، ونص يمنع مطلقاً، والذي اعتمد على المنع المطلق قال بالتحريم، والذي اعتمد على النص المجيز مطلقاً قال بالجواز، والمذهب الراجح هو التفصيل والوسط بين المذهبين، وسنتعرض لهما.
[حدثنا زهير بن حرب حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن مالك، وحدثنيه أبو الطاهر -واللفظ له- حدثنا عبد الله بن وهب عن مالك بن أنس عن الفضيل بن أبي عبد الله عن عبدالله بن نيار الأسلمي عن عروة بن الزبير عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم: أنها قالت: (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم قِبل بدر -أي: ناحية بدر- فلما كان بحرة الوبرة -وهو اسم موضع على بعد أربعة أميال من المدينة- أدركه رجل قد كان يذكر منه جرأة ونجدة)] أي: قوة وشجاعة في الحرب، وكان الصحابة يعلمون ذلك منه، غير أنه كان مشركاً وكافراً.
قال: [(ففرح أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رأوه)] أي: ظنوا أنه قد أسلم وأدرك النبي صلى الله عليه وسلم ليقاتل معه.
قال: [(فلما أدركه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: جئت لأتبعك وأصيب معك)] أنا جئت لكي أقاتل معك ويكون لي شيء من الغنيمة، أي: أن هذا الرجل أتى مقاتلاً لأجل الغنيمة، طبعاً هذا ليس له حسبة ولا نية صالحة؛ لأنه كافر.
[قال: (قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: تؤمن بالله ورسوله؟ قال: لا)] أرأيتم مثل هذه الجرأة؟ لم يقل: أنا مؤمن بالله ولكن لست مؤمناً بك أنت، كالمشركين في مكة قالوا: نحن نؤمن بالله لكن لا نؤمن أنك رسول من عند الله، أما هذا فقد نفى الكل، فأنا لست مؤمناً بالله ولا مؤمناً بك.
قال: [(تؤمن بالله ورسوله؟ قال: لا.
قال: فارجع فلن أستعين بمشرك.
قالت عائشة: ثم مضى -أي: ثم انصرف النبي عليه الصلاة والسلام تجاه بدر- حتى إذا كنا بالشجرة -أي عند شجرة في مكان- أدركه الرجل مرة أخرى فقال له كما قال أول مرة: جئتك لأتبعك على أن أصيب معك، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم كما قال أول مرة: تؤمن بالله ورسوله؟ قال: لا.
قال: فارجع فلن أستعين بمشرك.
ثم رجع فأدركه بالبيداء -مكان صحراء عند بدر- فقال له كما قال أول مرة: تؤمن بالله ورسوله؟ قال: نعم.
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: فانطلق)].
أي: ادخل في وسط الجيش وقاتل.
وفي هذا الحديث فوائد ينبغي الوقوف عندها.