مراجعة علي الأمر المعروف ومبايعته لأبي بكر

قال: [(فالتمس مصالحة أبي بكر ومبايعته)] وفي هذا إثبات أن علي بن أبي طالب لم يكن قد بايع أبا بكر لمدة ستة أشهر بعد موت النبي عليه الصلاة والسلام، كما أنه لا يلزمه البيعة، وذلك لأن البيعة لا تلزم جميع الناس، وعلي من الناس، وإن فرضنا أنه من خاصة الناس وأنه كان عضواً في مجلس الحل والعقد، فهل يلزم أن يبايع جميع أهل الحل والعقد أم يكفي أغلبية المجلس؟

صلى الله عليه وسلم يكفي أغلبية المجلس.

إذاً: علي رضي الله عنه لم يخالف في تركه البيعة لـ أبي بكر، كما أنه لم يثبت عليه أنه ذم أبا بكر، أو تكلم في عدم مشروعية بيعته أو خلافته أو غير ذلك.

لكن علياً كان غاضباً من أبي بكر؛ لأنه كان يتصور أنه لا يقطع في أمر دونه، وأنه حينما يموت النبي صلى الله عليه وسلم، ويجتمع الناس في سقيفة بني ساعدة يدعونه، وهذه على أية حال قلوب بشر، وهو لم يخطئ في ذلك، كما أن عمر رضي الله عنه لم يكن يعلم باجتماع الصحابة في سقيفة بني ساعدة أثناء موت النبي عليه الصلاة والسلام، وإنما ذهب إليهم بقدر الله، وطار الخبر إلى أبي بكر بخلاف المهاجرة والأنصار في الإمارة والخلافة من بعده عليه الصلاة والسلام، فذهب إليهم ليحل القضية، فلما علم بذلك عمر طار إليهم، ثم قضى بما قضى من حجج لديه، بأن أولى الناس المهاجرون، وأولى المهاجرين هو أبو بكر الصديق بدليل كذا وكذا وكذا وذكر من القرآن والسنة ما يؤيد قوله وهو القول الصحيح في هذه القضية.

وبالتالي أجمع العلماء على صحة إمامة أبي بكر وأنه أولى الناس بعد النبي عليه الصلاة والسلام، لكن علي بن أبي طالب كان مشغولاً بتجهيز النبي عليه الصلاة والسلام وتغسيله وتكفينه فتركوه لذلك، ثم إن المصلحة راجحة في عقد الخلافة لآحاد الناس؛ حتى لا يختلفوا بعد ذلك فيمن يصلي على النبي؟ ومن يكفّن النبي؟ ومن يدفن النبي؟ ومن يتولى أمر النبي في الفيء وغيره؟ فالمصلحة راجحة، فرأى أبو بكر وعمر تقديم إثبات الخلافة لـ أبي بكر على تجهيزه عليه الصلاة والسلام، وعلى انتظارهم لمشورة علي أو عثمان أو غيرهما، فانشغلوا بهذا، وكان علي مشغولاً بتجهيز النبي عليه الصلاة والسلام، فالقضايا كلها كأنها لبس أو سوء فهم، وليست قضية خلافية جوهرية بين الصحابة رضي الله عنهم.

قال: (وكان لـ علي من الناس وجهة حياة فاطمة، فلما توفيت استنكر علي وجوه الناس فالتمس مصالحة أبي بكر ومبايعته)].

قال: ليس هناك وجه لاستنكار الناس إلا لأنني لم أبايع أبا بكر إلى الآن؛ وذلك لأنني لست من عامة الناس، فأنا إنسان مرموق ومن أعلام الصحابة.

قال: [(ولم يكن بايع تلك الأشهر فأرسل إلى أبي بكر: أن ائتنا)].

ولو كان أبا بكر في حالة غضب من علي فلن يأتيه وإن أُرسلت إليه أكثر من رسالة، أو لقال: إذا كنت تريدني فائتني أنت، وهذا نظامنا نحن.

قال: [فأرسل إلى أبي بكر: أن ائتنا، ولا يأتنا معك أحد]، وهنا يقصد عمر مع أن أمر الميراث لم يكن له أي اتصال بـ عمر، وكان هذا الكلام في خلافة أبي بكر، وأبو بكر هو رجل الدولة المتصرّف في كل شيء، فما هي علاقة عمر بهذا الأمر؟ لا علاقة له لا من قريب ولا من بعيد.

قال: [(فائتنا ولا يأتنا معك أحد؛ كراهية محضر عمر بن الخطاب)] أي: لا تصطحبه معك.

قال: (فقال عمر لـ أبي بكر: والله لا تدخل عليهم وحدك).

وأنتم تعلمون لباقة علي وفصاحته وبلاغته، فيمكن أن يمسك أبا بكر ويعظه حتى يبكي أبو بكر فيرق له، ويعطيه ما يريد، ويمكن أن يطالبه علي بن أبي طالب بشيء من خاصة أبي بكر، فيحمل الحياء أبا بكر على دفعه إليه، ويستحي أن يدافع عن نفسه، ويتمنى لو أن الغير قد تكلم عنه، حتى عمر رضي الله عنه لو أن له حقاً يستحيي أن يطلبه ولا يرضى، وتأبى عليه كرامته أن يطالب به، لكن لو أن لغيره الحق لطالب به، فالإنسان يطالب لغيره بعلم وجرأة؛ لأنه لا يطلب لنفسه فهو غير متهم.

إذاً: أبو بكر الصديق قال: أنا سأذهب لـ علي بن أبي طالب، وعمر قال له: لا تذهب بمفردك ولا بد أن آتي معك، حتى إذا كلمك في شيء أدفع عنك وأذود عنك وأتكلم؛ لأن حياءك سيمنعك من الرد على

طور بواسطة نورين ميديا © 2015