قال: [اقض بيني وبين هذا الكاذب الآثم الغادر الخائن]، بلا شك أن علي بن أبي طالب ليس فيه شيء من هذا كله، وكل سبة من هذه السباب لها مدلول في اللغة وفي الاصطلاح، فالكاذب هو: من تكلم بالكلام على غير حقيقته وعلى غير أصله المشروع، سواء كان في ذلك متعمداً أو جاهلاً أو ناسياً، فيُحمل الكذب على هذه المعاني في اللغة ابتداء، ثم الشرعي أو الاصطلاحي.
ولا شك أن علي بن أبي طالب مبرأ من هذا كله، وإلا فكيف يكون كذلك وهو المبشّر بالجنة؟! ويحمل هذا كذلك على ما يعتقد العباس رضي الله عنه؛ لأن كل واحد قد اختلف مع الآخر، ويغلب على ظنه أنه على الحق وأن الآخر على الباطل، وإلا فلا يحل لأحد أن يختلف مع أخيه وهو يعلم أن أخاه على الحق المبين، خاصة إذا كان هذا الخلاف واقعاً بين أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام، فهذا العباس يعتقد أن الحق معه وأن علياً على الباطل في الخصومة المرفوعة بين يدي أمير المؤمنين عمر رضي الله تعالى عنه.
ولكنه تجاوز في طرح قضيته بهذه الألفاظ.
ثم لو انسدت جميع الأبواب أمامنا في تأويل هذه السباب فإننا نقول: إن الصحابة رضي الله عنهم وقع بينهم شيء من هذا وزيادة على هذا، ولا علاقة لنا بذلك كله، فالذي دار بينهم يطوى ولا يروى، ونعتقد أن لهم من الفضل والسبق والعلم والجهاد والهجرة وغير ذلك ما يكفّر جبالاً من الذنوب.
فهذه الألفاظ نحن نقرأها فقط من باب أنها مروية ومأثورة، ولكننا لا نتوقف عندها، بل نحسّن الظن بجميع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ونستغفر لهم مما بدر منهم ومما لم يصدر عنهم.