ابتداء نقول: إن كلام الأقران إذا لم يمكن توجيهه وتأويله يطوى ولا يروى، ولا تعلق عليه أحكام، ولا يجوز لمن أتى بعد هؤلاء الأقران أن يعتمد سب زيد في عمرو، ولا سب عمرو في زيد؛ لأنهما أقران، كما أني وفلان من أقران نختلف ونتصالح، ولا يجوز لأحد ممن يسمعنا أن يتعلق بخصومتي بفلان من أقراني، ولا بخصومة غريمي معي، ولا يجوز لأحد من طلبة العلم، أو ممن يستفيد من كلامي وكلام قريني أن يتكئ على خصومة بيني وبين فلان أو علّان.
وهذا خطأ في أصل منهج التربية لدى الشباب، أنه إذا اختلف الشيخ الفلاني مع قرينه أو العالم الفلاني مع قرينه، فإنهم يتحيزون ويتميزون وتدب المشاكل والخلافات بين الأتباع التي يمكن أن يتطاير شررها هنا وهناك، ويعظم الأمر ويفحش ولا يكون له بعد انتشاره حلاً، فالأدب الذي علمه النبي عليه الصلاة والسلام لأصحابه وعلّمه الصحابة لمن بعدهم: أن كلام الأقران بعضهم في بعض يطوى ولا يروى.
ويقول عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: إن الغيرة بين أهل العلم أشد من الغيرة بين التيوس في زروبها.
أي: أن الذي يبعثهم على الكلام في بعضهم البعض هو الغيرة، وكم من إنسان من سلف الأمة ومن عظماء العلماء تكلم في أقرانه، أو تكلم فيمن سبقه، وإن كان هذا لا نوافق عليه والأصل عدمه، وهناك نماذج طيبة مشرقة في أهل العلم، لم يتكلموا في أحد، وإنما تكلم فيهم، وبلا شك أن الأصل والأولى: أن يتصدق المرء بعرضه على من انتهك عرضه، فلا أقل من أنه رد الظلم بظلم، أو رد الإساءة بإساءة، والبادئ أظلم وإن كانت الأولى أحسن وأفضل.
فالشاهد من هذا الكلام كله: أن أبناء الصحوة لا علاقة لهم بما يدور بين الكبار، فلعلهم معذورون، ولعلهم متأولون، ولعلهم مخطئون، فلا علاقة للشباب بما وقع بين الكبار، كما أنه يجب على الكبار كذلك إذا كان هناك شيء من الإحن والفتن بينهم أن يخفوها عن الطلاب وجوباً شرعياً، فإن بدا شيء بغير قصد فلا يجوز استغلال هذا الشيء الذي بدا من هذه القضايا.