في هذا الحديث: جواز الإغارة على الكفار الذين بلغتهم الدعوة من غير إنذار بالإغارة.
وفي هذه المسألة ثلاثة مذاهب، حكاها المازري والقاضي عياض: المذهب الأول: يجب الإنذار مطلقاً.
أي: سواء بلغتهم الدعوة أو لم تبلغهم.
فإذا أراد المسلمون أن يغيروا الآن على بلد من بلاد الكفر، كأن أرادت ليبيا مثلاً أن تغير على إيطاليا باعتبار أنها أقرب بلاد بعد البحر إليها؛ لأنها في مقابلها على البحر، أو أرادت الجزائر أن تغير على فرنسا، أو المغرب أن تغير على أسبانيا، أو هذه البلاد كلها المجتمعة أن تغير على أمريكا، فهل يلزم أن تنبّه هذه البلاد الإسلامية البلد المطلوب الإغارة عليه وتنذره ثلاثاً أو أكثر من ذلك؟
صلى الله عليه وسلم لا يجب.
لكن المذهب الأول يقول بالوجوب.
فالمذهب الأول: وجوب الإنذار مطلقاً، كما قال مالك وغيره.
وهذا مذهب ضعيف؛ وذلك لصراحة النص بخلاف ذلك؛ لقول نافع في رده على سؤال ابن عون قال: إنما كان ذلك في أول الإسلام.
كان الإنذار واجباً في أول الأمر؛ وذلك لأنه يغلب على الظن أنهم لم يسمعوا بالإسلام، لكن الناس الآن جميعاً يعلمون الإسلام، وقد سمعوا بالنبي محمد عليه الصلاة والسلام ودعوته، وسمعوا بالقرآن والشريعة الإسلامية، فلا يلزم النذارة، فيكون المذهب الأول الذي يقضي بوجوب الإنذار مذهب ضعيف.
المذهب الثاني يقول: لا يجب مطلقاً.
وهذا أضعف من المذهب الأول، بل هو باطل.
المذهب الثالث: يجب إن لم تبلغهم الدعوة، ولا يجب إن بلغتهم لكن يستحب، وهذا هو الصحيح، وبه قال نافع مولى ابن عمر والحسن البصري والثوري والليث والشافعي وأبو ثور وابن المنذر والجمهور.
إذاً: الراجح: عندما أريد أن أغير على بلد من بلاد الكفار أُنذرهم أولاً، اقبلوا الدعوة إلى الإسلام! ادخلوا في دين الله عز وجل! وهذا الإنذار ليس واجباً ولا مكروهاً ولا محرماً في نفس الوقت، إنما هو مستحب، سواء بلغتهم الدعوة أو لم تبلغهم.
قال ابن المنذر: وهو قول أكثر أهل العلم، وقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة على معناه.
ومنها هذا الحديث وحديث قتل كعب بن الأشرف، وحديث قتل ابن أبي الحقيق.