ندم علماء الكلام في أواخر حياتهم على مخالفة منهج السلف

ومن علماء الخلف مثلاً الفخر الرازي الذي أفنى حياته في علم الكلام، وفي التفنن في تقرير منهج الخلف، ثم ندم قبل أن يموت وقال: لعمري لقد طفت المعاهد كلها وصيرت طرفي بين تلك المعالم فلم أر إلا واضعاً كف حائر على ذقن أو قارعاً سن نادم يعني: أصبح يعض على يديه؛ لأنه ما ترك سبيلاً من سبل الخلف إلا وسلكه، ولا مدرسة انحرفت عن منهج السلف إلا ودرس طريقتها، وأفنى حياته في الدفاع عن منهج الخلف وترك منهج السلف، فندم على أنه قضى حياته في مثل هذا، وتمنى لو أنه يرجع إلى منهج السلف.

وهذه الطريقة التي سلكها يقول عنها: إنه ما وجد فيها إلا واضعاً كف حائر على ذقن، أي: لأنه ليس عنده علم، أو آخر قارعاً سن نادم، أي: لأنه لم يسلك طريق السلامة أبداً.

وقال الرازي أيضاً: نهاية إقدام العقول عقال وأكثر سعي العالمين ضلال وأرواحنا في وحشة من جسومنا وغاية دنيانا أذى ووبال ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا ومعلوم أن القيل والقال إذا لم يكن مستنداً إلى دليل من الكتاب والسنة لا ينفع صاحبه.

ثم يقول الفخر الرازي: لقد تأملت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية فما رأيتها تشفي عليلاً، ولا تروي غليلاً، ووجدت أقرب الطرق طريقة القرآن.

ثم يقول: اقرأ في الإثبات -أي: إثبات الصفات لله عز وجل والأسماء-: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5].

{إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} [فاطر:10].

واقرأ في النفي: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:11]، وقوله: {وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا} [طه:110].

ثم يقول: ومن جرب مثل تجربتي عرف مثل معرفتي.

فهو قد أفنى عمره كله في الطرق الكلامية والفلسفية، ثم تاب إلى الله عز وجل في آخر حياته.

وأنت إذا عرفت كلامهم هذا وأنت في مقتبل عمرك البحثي والعلمي فينبغي عليك أن تسلك مسلك السلف، وأن تنبذ بقلبك منهج الخلف؛ لأن فحول الخلف لما بلغوا ما بلغوا بعد أن قضوا أعمارهم وأفنوا حياتهم في هذا المنهج أدركوا في النهاية أن طريقة السلف هي أسلم وأحكم وأعلم.

والإمام أبو المعالي الجويني وهو أيضاً مؤول من الخلف يقول: أتمنى أن أموت على عقيدة عجائز نيسابور، لأنهن يؤمن بالله عز وجل على فطرهن، فـ أبو المعالي الجويني الذي كان يجري كل الناس وراءه، وكان يشار إليه بالبنان في ذلك الزمان، وكان إمام الحرمين، أفنى حياته كلها في تقرير مذهب الخلف، وتقرير الطرق العقلانية والفلسفية والكلامية، ثم تمنى في آخر حياته أن لو مات على دين جدته وجده، والعجائز من عوام الناس، فهو تمنى أن يعود إلى الأمية، فهل يقال: إن هذا المذهب أعلم وأحكم؟!

طور بواسطة نورين ميديا © 2015