الحمد لله تعالى، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، إنه من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.
وبعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
أما بعد: الإيمان بالله يستلزم أمرين: الأمر الأول: الإيمان بوجود الله عز وجل، والأدلة على الإيمان بوجود الله هي العقل والفطرة والحس والشرع، ودليل الشرع قوله تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [لقمان:25].
ودليل الحس إجابة الدعاء.
ودليل الفطرة حديث: (ما من مولود يولد إلا ويولد على الفطرة)، وفي رواية: (إلا ويولد على هذه الملة)، وفي رواية: (إلا ويولد على ملة الإسلام)، أي: على فطرة الإسلام.
وقيل: إن الفطرة ما كتبه الله عليه من الشقاء أو السعادة أو ما هيئ له.
والراجح من الأدلة أن الفطرة هي فطرة الإسلام.
والأمر الثاني: توحيد الله وإخلاص العبادة له.
أنواع التوحيد ثلاثة، وهي: توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات.
ومعنى توحيد الربوبية: أن الله سبحانه وتعالى متفرد بالخلق والأمر والملك.
والأمر هنا بمعنى التدبير.
والفرق بين ملك الله عز وجل وملك العبد أن ملك الله عز وجل مطلق وهو عام وشامل، وأما ملك العبد فإنه مقصور ومحدود عليه.
وتوحيد الألوهية هو: إفراد الله سبحانه وتعالى بالعبادة والتوحيد والألوهية.
افترقت فرق الإسلام في توحيد الأسماء والصفات على طرفين ووسط، فكانت المشبهة والممثلة والمجسمة والمنزهة على طرف، والمعطلة على طرف، وأهل السنة هم الوسط بين هؤلاء وهؤلاء.
وكانت أول الفرق ظهوراً هي الخوارج، ثم حدثت بعد ذلك القدرية، ثم المرجئة، ثم المعتزلة، ثم الأشاعرة.
انقسمت هذه الفرق في توحيد الأسماء والصفات أقساماً عديدة كالآتي: القسم الأول قالوا: لا يجوز أبداً أن نصف الله بوجود أو بعدم، ولا نثبت له الوجود ولا العدم؛ لأنه إن وصف بالوجود أشبه الموجودات، وإن وصف بالعدم أشبه المعدومات، قالوا: ومحال على الله عز وجل أن يوصف بالوجود أو بالعدم؛ لأنه يستلزم من وجوده أن يشبه الموجودات والمخلوقات.
ومن أجل ذلك قالوا: يجب نفي الوجود والعدم عن الله عز وجل؛ لأنه لا ينبغي أن يشابه الموجودات ولا أن يشابه المعدومات.
وحقيقة ما ذهبوا إليه هو أنهم شبهوا الخالق بالممتنعات والمستحيلات؛ لأن العدم والوجود لا يجتمعان ولا يرتفعان في الوقت نفسه، وكل عقول بني آدم تنكر هذا الشيء ولا تقبله، فهم فروا من شيء ووقعوا فيما هو شر منه وهذا عين الضلال.
القسم الثاني قالوا: نصفه تعالى بالنفي ولا نصفه بالإثبات، فهم يقولون: ليس بميت، ولا يقولون: إنه حي سبحانه وتعالى، ويقولون: ليس بجاهل، ولا يقولون: عليم.
مع أن الله تعالى أثبت لنفسه في الكتاب أكثر مما نفى، فلو أتينا إلى كتاب الله عز وجل وسنة النبي صلى الله عليه وسلم لوجدنا أن الإثبات أكثر من النفي، وهؤلاء يثبتون النفي ولا يثبتون الإثبات، ولاشك أن هذا الرأي أيضاً مردود عليهم، ولو احتججت على هؤلاء بأن الله تعالى قال عن نفسه: سميع بصير، أو أن الله تعالى أثبت لنفسه صفات، لردوا عليك بأن هذه النسبة أو هذه الأسماء والصفات التي أثبتها الله تعالى إنما هي نسبة إضافة، وليست نسبة حقيقة لله عز وجل، فهم يقولون: ليس له سمع، ولكن له مسموع، والمسموع هو خلقه.
ثم ظهر قسم آخر داخل هذا القسم يقول: هذه الأوصاف إنما هي لمخلوقاته وليست له، أما هو سبحانه وتعالى فلا نثبت له صفة.
القسم الثالث قالوا: نثبت له الأسماء دون الصفات، فهم لا يثبتون له صفات، وإنما يثبتون له الأسماء فقط، وهؤلاء هم المعتزلة، فقد أثبتوا لله تعالى الأسماء فقط، وقالوا: إن الله قدير حكيم عليم، ولكن قدير بلا قدرة، وحكيم بلا حكمة، وعليم بلا علم.
القسم الرابع قالوا: نثبت له الأسماء حقيقة -يعني: أن هذا الفريق وافق المعتزلة في إثبات الأسماء لله عز وجل- ونثبت له صفات معينة دل عليها العقل؛ لأن العقل يقبل نسبة هذه الصفات لله عز وجل، ولا يقبل نسبة غيرها من الصفات وهؤلاء هم الأشاعرة.
فالمعتزلة والأشاعرة يلتقيان في تحكيم العقل في صفات الله عز وجل، وإن كان الأشاعرة أخف وطأة من المعتزلة.
ومن أصول المعتزلة في هذا الباب: تقديم العقل على النقل.
فالأشاعرة أخف وطأة من المعتزلة؛ لأن المعتزلة نفوا جميع الصفات، وأما الأشاعرة فأثبتوا منها سبع صفات؛ لأنها تتفق مع العقل، ونفوا الباقي، والصفات التي أثبتوها مجموعة في قول الشاعر: له الحياة والكلام والبصر سمع إرادة وعلم واقتدار أي: القدرة.
فكأنهم آمنوا ببعض الكتاب وكفروا ببعضه، ولكن هذا الكفر لم يكن كفر جحود ونكران، و