الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.
وبعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
[عن يحيى بن يعمر قال: أول من قال في القدر بالبصرة معبد الجهني، فانطلقت أنا وحميد بن عبد الرحمن الحميري حاجين أو معتمرين، فقلنا: لو لقينا أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألناه عما يقول هؤلاء في القدر، فوفق لنا عبد الله بن عمر بن الخطاب داخلاً المسجد، فاكتنفته أنا وصاحبي أحدنا عن يمينه والآخر عن شماله، فظننت أن صاحبي سيكل الكلام إلي، فقلت: أبا عبد الرحمن! إنه قد ظهر قبلنا ناس يقرءون القرآن ويتقفرون العلم، أي: يجمعون العلم ويحرصون عليه ويهتمون به- وذكر من شأنهم، وأنهم يزعمون ألا قدر وأن الأمر أنف].
أي: أنهم يزعمون أنه لا شيء اسمه قدر، وأن الأمر أنف، وأن الله تعالى لا يعلمه إلا بعد وقوعه.
قال: [فإذا لقيت أولئك فأخبرهم -وهذا قول عبد الله بن عمر - أني بريء منهم، وأنهم برآء مني، والذي يحلف به عبد الله بن عمر لو أن لأحدهم مثل أحد ذهباً فأنفقه ما قبل الله منه حتى يؤمن بالقدر].
وسنبين هنا ما هو القدر، وما هو الذي أنكره معبد الجهني حتى استلزم أن يكفره عبد الله بن عمر ويتبرأ منه.
ومراتب القدر أربع مراتب، المرتبة الأولى: العلم، والمرتبة الثانية: الكتابة، والمرتبة الثالثة: المشيئة، والمرتبة الرابعة: الخلق.
فأوائل القدرية نفوا المرتبتين الأوليين، العلم والكتابة.
وأول من قال بنفي القدر معبد الجهني، فقد ادعى أن الله عز وجل لا يعلم الأشياء قبل وقوعها، وأنكر أن الله تعالى أمر بكتابة القدر، وهذا بدعة في الدين.
ويقال: القدَر والقدْر بفتح الدال وإسكانها لغتان مشهورتان، وحكاهما ابن قتيبة عن الكسائي وقالهما غيره.
قال الإمام النووي: واعلم أن مذهب أهل الحق إثبات القدر، أي: أن الله تبارك وتعالى علم الأشياء قبل وقوعها، وكذا أمر بكتابتها قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة.
ومعناه: أن الله تبارك وتعالى قدر الأشياء في القدم، وعلم سبحانه أنها ستقع في أوقات معلومة عنده سبحانه وتعالى، وعلى صفات مخصوصة، وفي أمكنة معلومة، فهي تقع على حسب ما قدرها الله سبحانه وتعالى.