شرح حديث: (إن قتله فهو مثله)

[حدثنا عبيد الله بن معاذ العنبري حدثنا أبي حدثنا أبو يونس عن سماك بن حرب أن علقمة بن وائل] وهو وائل بن حجر الحضرمي الكوفي.

وقيل: أن علقمة لم يسمع من أبيه.

والصواب أنه سمع بدليل أنه قال: إن أباه حدثه.

فحدثه هنا تصريح بالسماع.

[قال وائل بن حجر: (إني لقاعد مع النبي عليه الصلاة والسلام إذ جاء رجل يقود آخر بنسعة)].

وهو الحبل المفتول من جلد.

وفي هذا: جواز إذلال صاحب المعصية بما يرده عن معصيته ويردعه.

[فقال يا رسول الله: (هذا قتل أخي.

فقال رسول الله: أقتلته؟ قال: إنه لو لم يعترف أقمت عليه البينة)].

يعني: ولي القتيل لما سمع النبي عليه الصلاة والسلام وهو يسأل القاتل قال له: لو لم يعترف لأقمت عليه البينة.

وهذا الأصل الأصيل، قال عليه الصلاة والسلام: (البينة على المدعي واليمين على من أنكر).

لكن لا بأس أن المدعى عليه يقر فإذا أقر ارتفع النزاع، فإذا لم يقر وجب على المدعي أن يقيم البينة ولا يقبل منه يمين؛ لأن يمينه لا يحل محل البينة من المدعى عليه، ولا ينتقل حق المدعى عليه إلى المدعي، والبينة على المدعي، وهذا الكلام من أعلام النبوة، وكلام من جوامع الكلم عليه الصلاة والسلام، فقال: (البينة على المدعي).

فالنبي عليه الصلاة والسلام يسأل المدعى عليه يقول له: هل أنت قتلته.

قال له: يا رسول الله هذا لو لم يعترف وأقر أنا أقيم عليه البينة.

[(فقال: نعم قتلته)].

وهذا بالإقرار.

[قال: (كيف قتلته؟ قال: كنت أنا وهو نختبط)] الخبط عند العرب لم يكن من أجل الثمر نفسه بل ربما يكون للورق يتخذونه أعلافاً لدوابهم، كانوا يخبطون الأشجار، فتنزل الأوراق فيطعمون بها الدواب.

[(قال: يا رسول الله كنت أنا وهو نختبط من شجرة فسبني فأغضبني، فضربته بالفأس على قرنه فقتلته)].

والقرن هو ناحية الرأس وليس وسط الرأس، فضربه به فقتله [(فقال له النبي عليه الصلاة والسلام: هل لك من شيء تؤديه عن نفسك)].

لأن هذا قتل عمد، فإنه قصد قتله بما يقتل غالباً وهو الفأس.

قال: [(قال: ما لي مال إلا كسائي وفأسي)] يعني: هو ليس له مال غير الكساء الذي هو يلبسه والفأس فقط.

قال [(قال: فترى قومك يشترونك)] أي: الأصل في قتل العمد القصاص، لكن لو أنا شفعت لك ونزلوا من القصاص إلى الدية فهل أهلك ممكن أن يدفعوا الدية عنك؟ قال: [(فقال: أنا أهون على قومي من ذاك)] أي: لا يوجد أي شخص يحترمه، هم يريدون أن يتخلصوا منه وربما نازعوا في مسألة الدية، وطالبوا بالقصاص، من أجل أن يتخلصوا منه بالكامل.

قال: [(فرمى إليه بنسعته)] يعني: رمى الحبل من يده وسلمه لولي المقتول، وبعد ذلك ولي القتيل حس أن النبي صلى الله عليه وسلم يريد أن يشفع له من القصاص إلى الدية، والقاتل ليس عنده شيء، ولا أهله مستعدون أن يساعدوه، بل يريدون أن يتخلصوا منه [(فرمى إليه بنسعته وقال: دونك صاحبك، فانطلق به الرجل فلما ولى -أي: لما ذهب- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن قتله فهو مثله.

قال: فرجع إليه الرجل، فقال: يا رسول الله! إنه بلغني أنك قلت: إن قتله فهو مثله، وأخذته بأمرك)] أي: أنت الذي أعطيتني الحبل وقلت لي: خذه وتصرف فيه، وأنت حر فيه.

[(فقال النبي عليه الصلاة والسلام: ألا تريد أن يبوء بإثمك وأثم صاحبك)] أي: أما تريد أنت يا صاحب الحق أن يتحمل عنك هذا القاتل ذنوبك الكثيرة، كما يتحمل ذنوب أخيك الذي قتله؟! بلا شك أن الواحد يتمنى ذلك.

وهذه شفاعة لكنها في صورة دلال وحب زائد، فالنبي يقول له: أنا أنصحك مع ثبوت الحق لك -أي: الحق ثابت لك في القصاص- فإن شئت أن تنزل إلى الدية فهو أفضل، لكن الأفضل من ذلك أن تعفو لأنك لو قتلته ستكون مثله، وإن لم تقتل سيتحمل ذنوبك، وذنوب أخيك الذي قتله.

وهذه درجة عظيمة جداً وثمرة طيبة للعفو.

قال: [(قال: يا نبي الله بلى)].

أي: أنا أريد شخصاً يحمل عني [(قال: فإن ذاك كذاك)] يعني: لو أنك عفوت عنه باء بإثمك وإثم القتيل.

قال: [(فرمى بنسعته وخلى سبيله)].

قال له: بما أن وعد النبي صلى الله عليه وسلم لي أنك سوف تحمل عني وعن أخي عفوت عنك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015