النباش: هو الذي ينبش القبر ويأخذ الكفن.
فعندما تنظر في كتب الفقهاء عن النبش والنباش تجد النبش في حياة السلف لا يتعدى سرقة، أما الآن فإنهم لم يعودوا بحاجة إلى نبش القبر وأخذ بعض الجثة أو الجثة كلها؛ لأن الجثة لا تخرج إلا هيكلاً خارجياً من المستشفيات العامة أو الخاصة، فقد صارت أعضاء الخلق مسلمين وغير مسلمين تجارة رابحة جداً يدخل فيها الطبيب الفقير من باب ويخرج من باب آخر وقد حقق الملايين من الجنيهات، فإن نفعه هذا في الدنيا فإنه إن شاء الله لن ينفعه بين يدي الله عز وجل.
وفي الحقيقة الطب تجارة من التجارات عند جميع العاملين به إلا من رحم الله عز وجل، ومن بر واتقى وعلم أن هذه أمانة هو مسئول عنها بين يدي الله عز وجل، وقليل ما هم، فعامة الأطباء -خاصة الجراحون منهم والجراحات- قد اتخذوا تجارة الأعضاء بضاعة سائغة؛ رائعة لتحقيق عرض من أعراض الدنيا وهو زائل لا محالة، واستندوا في ذلك إلى فتوى لبعض من ينتسب إلى أهل العلم، وهذه الفتوى لا علاقة لها البتة بهذا الإجرام الذي يتم في المستشفيات، ونحن لا نميل إلى هذه الفتوى قط، فالمرء لا يجوز له التبرع ببعض أعضائه حتى وإن كان ذلك بعد موته.
والأطباء المتخصصون يقولون: إذا مات الميت وبرد جلده فإنه لا ينتفع منه بجزء من أجزاء بدنه، بل لابد أن يؤخذ الجزء المراد من بدن الميت قبل الموت ولو بلحظة، يعني: لا ينتزع إلا العين أو الكلى؛ لأن هذين هما العضوان اللذان يعملان بشكل جيد، فيؤخذ هذان العضوان من الرجل إذا غلب على ظن الطبيب أنه سيموت.
وقد حدثني طبيب في مستشفى القصر العيني بأن مشاجرة عظيمة جداً تمت بين طبيبين كبيرين في غرفة العناية المركزة، إذ دخل شخص العناية المركزة فاحتجزه الطبيب وهو يقول: هذا لي، يعني: لا يحل لأحد من الأطباء أن يأخذ منه شيئاً؛ لأنه هو الذي سيأخذ منه، فقام الطبيب الآخر في غياب الطبيب الأول بأخذ الكليتين، ومات الشخص ولابد أن يموت، وهذا يسمونه الموت الطبي وليس الموت الشرعي.
فهذا المريض حياته (90%) ميئوس منها، فيقولون: إذاً: ننتفع منه بما يمكن الانتفاع به.
ونحن نذكر بدر الدين العيني الإمام الكبير شارح البخاري، وكان صاحب قصر، وكان من علماء الدنيا في زمانه، فسمي القصر باسمه؛ لأن القصر كان ملكاً له، وكان هذا الرجل فوق الأمير وفوق السلطان، إذ كانت الدنيا تدار بأمره، وكانت إليه الرحلة في زمانه، وقد اتخذ هذه الدار لسكن الطلاب الذين يأتونه من آسيا وأفريقيا وغيرها من بلاد العالم ليتعلموا العلم على يديه، وله كتاب عظيم جداً في شرح صحيح البخاري اسمه عمدة القاري، وهو أعظم من الفتح للحافظ ابن حجر في باب، والفتح للحافظ أعظم منه في باب آخر، أما القبول فهذا رزق من الأرزاق، فكتاب عمدة القاري لا يستغني عنه عالم قط، ولا يستغني عنه من له عناية بصحيح البخاري وبعلم الحديث كله، وللأسف الشديد هذا المكان المبارك الذي بدأ بإيواء أهل العلم في العالم كله على ضفاف النيل صار مكاناً لسرقة الأعضاء وبيعها في سوق النخاسة.
وعوداً على بدئ فقد جرى في شأن النباش الخلاف بين أهل العلم، وهو الذي يسرق أكفان الموتى، فذهب الجمهور إلى أن عقوبته قطع يده؛ لأنه سارق حقيقة، والحرز هو القبر؛ ولأنه في الغالب يأتي خلسة وخفية ويسرق مال الغير.
والكفن مال مملوك للغير، وبعضهم نازع وقال -كالأحناف والأوزاعي والثوري: لا عقوبة عليه إلا التعزير؛ لأنه نباش وليس سارقاً، فلا يأخذ حكم السارق؛ ولأنه أخذ مالاً غير مملوك لأحد؛ لأن أولياء الميت لا يزعمون أن هذا الكفن ملكاً لهم، كما أن الميت لا يملك، فهذه الشبهة درأت الحد عن النباش، وينبغي تعزيره وزجره حتى ينزجر أمثاله.