قال: ابن كثير رحمه الله في قول الله تعالى: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} [القمر:1]: يخبر تعالى عن اقتراب الساعة وفراغ الدنيا وانقضائها، كما قال تعالى: {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ} [النحل:1]، وقال: {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ} [الأنبياء:1].
وقد وردت الأحاديث بذلك: منها: حديث عند أحمد من طريق ابن عمر رضي الله عنهما قال: (كنا جلوساً عند النبي صلى الله عليه وسلم والشمس على قعيقعان -أي: على جبل قعيقعان- بعد العصر، فقال: ما أعماركم في أعمار من مضى إلا كما بقى من النهار فيما مضى منه).
وهذا كان بعد صلاة العصر، ولو أنا قلنا: إن عُمْر الدنيا يساوي نهاراً، فما بقي من عُمْر الدنيا إلا ما يساوي من صلاة العصر إلى صلاة المغرب، وأما ما سبق من أعمار الأمم قبلكم فهو مثل ما بين الفجر إلى العصر.
وأعظم ما يمكن أن نستفيد من هذا الحديث هو اقتراب الساعة، وانقضاء الدنيا، وأنتم تعلمون أن هذا الحديث وغيره مما سار في فلكه قد استخدمه أقوام في تحديد وقت الساعة.
وقال النبي عليه الصلاة والسلام: (بعثت والساعة هكذا وأشار أو وجمع بين السبابة والوسطى).
وقدم أنس بن مالك على الوليد بن عبد الملك فسأله: ماذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر به الساعة؟ قال: سمعته يقول: (أنتم والساعة كهاتين).
ومن أسمائه عليه الصلاة والسلام الحاشر، قال: (أنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمه) يعني: لا نبي بعدي.
وعند أحمد من حديث خالد بن عمير قال: خطب عتبة بن غزوان فقال: (خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد: فإن الدنيا قد آذنت بصرم) يعني: لم يبق منها إلا الشيء اليسير، فقد أعلمت وأخبرت أنها مولية، (وولت حذاء، ولم يبق منها الا صبابة كصبابة الإناء يتصابها صاحبها، وإنكم منتقلون منها إلى دار لا زوال لها، فانتقلوا بخير ما بحضرتكم) يعني: استغلوا هذه الدنيا بالأعمال الصالحة والطاعة، (فإنه قد ذكر لنا أن الحجر يلقى من شفير جهنم فيهوي فيها سبعين عاماً ما يدرك لها قعراً، والله لتملؤنها، أفعجبتم؟! والله لقد ذكر لنا أن ما بين مصارع الجنة مسيرة أربعين عاماً، وليأتين عليه يوم وهو كظيظ من الزحام).
وقال الإمام ابن كثير في انشقاق القمر: قد وقع في زمانه عليه الصلاة والسلام، كما ورد ذلك في الأحاديث المتواترة بالأسانيد الصحيحة، وقد ثبت في الصحيح عن ابن مسعود أنه قال: (خمس قد مضين: الروم، والدخان، واللزام، والبطشة، والقمر).
قالوا: أما انشقاق القمر فهذا أمر متفق عليه بين العلماء أنه قد وقع في زمان النبي عليه الصلاة والسلام، وأنه أحد المعجزات الباهرة، وهذا ليس محل خلاف مثل الدخان.
ثم قال: ذكْر الأحاديث الواردة في انشقاق القمر: ومنها: سؤال أهل مكة النبي عليه الصلاة والسلام أن يريهم آية، قال: فانشق القمر بمكة مرتين.
وعند البخاري: (أن أهل مكة سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يريهم آية، فأراهم القمر شقين حتى رأوا حراء بينهما).
ورواية جبير بن مطعم عند الإمام أحمد قال: (انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فصار فلقتين: فلقة على هذا الجبل، وفلقة على هذا الجبل، فقالوا: سحرنا محمد، ثم قالوا: إن كان سحرنا فإنه لا يستطيع أن يسحر الناس كلهم).
ولذلك جاء في رواية: (فاسألوا المسافرين، فلما قدم المسافرون سألوهم، فقالوا: رأينا الذي رأيتم).
وجاء عن ابن مسعود: (انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت قريش: هذا سحر ابن أبي كبشة) والمقصود به: النبي عليه الصلاة والسلام، وهذا لقب له؛ لأن جده من جهة أمه كان ملقباً بـ أبي كبشة أو كنيته أبو كبشة.
(ثم قالوا: انظروا ما يأتيكم به المسافرين، فإن محمداً لا يستطيع أن يسحر الناس كلهم، فجاء المسافرون فقالوا: نحن رأينا أن القمر انشق نصفين).
وعن عبد الله قال: (انشق القمر بمكة حتى صار فلقتين فقال كفار قريش: هذا سحر سحركم به ابن أبي كبشة، ثم قالوا: فإن كانوا رأوا ما رأيتم فقد صدق، وإن كانوا لم يروا مثل ما رأيتم فهو سحر سحركم به، فسألوا المسافرين الذين قدموا من كل وجهة -من الشمال والجنوب والشرق والغرب- فقالوا: نحن رأيناه كذلك، فسكت أهل مكة).
لأن المماحل والمناظر والمجادل يجادل عن رأيه وهواه إلى آخر نفس يتنفسه، وكنت متوقعاً أن أهل مكة سيقولون