قال القاضي عياض: انشقاق القمر من أمهات معجزات نبينا صلى الله عليه وسلم.
ومعجزات النبي عليه الصلاة والسلام بلغت أكثر من ألف معجزة، منها المعجزات المادية، ومنها المعجزات المعنوية، وانشقاق القمر من كبريات معجزات نبينا عليه الصلاة والسلام، وقد رواها عدة من الصحابة رضي الله عنهم، مع ظاهر الآية الكريمة: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} [القمر:1].
قال الزجاج: وقد أنكرها بعض المبتدعة المضاهين المخالفين أمر الله، وذلك لأن الله أعمى قلوبهم، ولا إنكار للعقل فيها؛ لأن القمر مخلوق لله تعالى يفعل فيه ما يشاء، كما يثنيه ويكوره يوم القيامة، فالله تعالى يكور الشمس والقمر، ويثنيهما، ويثني جميع الخلائق فيقضي عليها بالموت، والقمر والشمس مخلوقتان، وجميع هذه المخلوقات مسخرة بأمره، يفعل فيها ما يشاء، لا يسأل عما يفعل وهم يسألون.
وأما قول بعض الملاحدة: لو وقع هذا لنقل إلينا بالتواتر، فنقول: ألا يكفي في انشقاق القمر أنها آية عامة يراها كل من كان في مكة، وفي خارجها، المؤمن والكافر المسافر والحاضر، وذلك مثل حديث: (إنما الأعمال بالنيات)، فلم يروه إلا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ولم يروه عن عمر إلا علقمة بن وقاص الليثي، ومع ذلك فهو حديث متواتر.
قال: وأما قول بعض الملاحدة، لو وقع هذا لنقل متواتراً، واشترك أهل الأرض كلهم في معرفته، ولم يختص به أهل مكة.
فأجاب العلماء: بأن هذا الانشقاق حصل في الليل، ومعظم الناس نيام غافلون، والأبواب مغلقة، وهم متغطون بثيابهم، فقل من يتفكر في السماء أو ينظر إليها إلا الشاذ النادر، ومما هو مشاهد معتاد أن كسوف القمر والشهب العظام وغير ذلك مما يحدث في السماء ليلاً لا يتحدث به إلا آحاد من الناس وليس كل الناس.
وما يحدث في الإرصاد والصحافة والإذاعات من معرفة وقوع الشيء قبل أن يقع ليس من باب علم الغيب؛ لأن الغيب غيبان: غيب يعلمه بعض الناس، وغيب لا يعلمه إلا الله، فهذا من الغيب المعلوم الذي يعلمه بعض الناس.
فانشقاق القمر ليس بلازم أن يراه كل الناس، خاصة وأنه وقع بالليل والناس نيام، والذي ليس نائماً قد لا ينظر إلى السماء.
قال الإمام النووي: وكان هذا الانشقاق آية حصلت في الليل لقوم سألوها، واقترحوا رؤيتها، فلم يتنبه لها، قالوا: وقد يكون القمر حينئذ في بعض المجاري والمنازل التي تظهر لبعض الآفاق دون بعض، كما يكون ظاهراً لقوم غائباً عن قوم آخرين.
كما قد يجد الكسوف أهل بلد دون بلد آخر، وأحياناً لا تطلع الشمس عند قوم البتة، وأعجب ما رأيت في أمريكا أن النهار أربع ساعات والليل عشرون ساعة، وهذا في نهاية الجنوب، وأنا الآن لا أذكر اسم الولاية أو البلد، فكانوا يسألونني عن الصيام وعن الصلاة، فاتصلنا بالشيخ عبد العزيز بن باز فقال: قدروا للصلاة والصيام قدرهما، وصلوا وصوموا باجتهاد.
فهذا يعني أن هذه الظواهر الكونية الطبيعية تختلف من بلد لآخر.