صيغتا التعليق عند البخاري

فلذلك هو يعلق بطريقتين: إما أن يعلق بصيغة الجزم، أو بصيغة التمريض.

صيغة الجزم: أن يكون الفعل الذي استخدمه البخاري في نسبة القول إلى قائله مبنياً للمعلوم، كأن يقول: قَال، وذَكر، وحَكَى.

صيغة التمريض: أن يكون الفعل مبنياً للمجهول: قِيلَ، حُكِي، ذُكِر.

فـ البخاري رحمه الله في هذا الباب، أتى بالأحاديث والآثار المعلقة بصيغة الجزم.

قال العلماء: كل معلقات البخاري التي جزم فيها بنسبة القول إلى قائله صحيحة.

الجزء الثاني، وهو: ما علقه بصيغة التمريض، فبعض الناس يقول: إن البخاري إذا مرّض القول، فهذا قد يكون ضعيفاً.

وهذا ليس بشرط، فمعلقات البخاري بعضها ضعيفة، لكنها قليلةٌ جداً، في موضع أو موضعين في كتابه كله، وشخص يقول: هل صحيح البخاري بهذا يكون فيه أحاديث ضعيفة؟ نقول: لا؛ لأن صحيح البخاري هو الأحاديث المسندة، أما الأحاديث المعلقة فليست على شرط البخاري، لأجل هذا إذا روى البخاري في صحيحه بياناً معلقاً وحدثت به فلابد أن تقيد العزو إلى البخاري بالتعليق، مثلاً: لو قال البخاري: قال الحسن البصري: (صلوا وعليه بدعته) كما في باب إمامة المفتون والمبتدع.

فهذا الحديث معلق في البخاري، أنت تريد أن تنسب هذا الكلام إلى البخاري، فلا تقل: رواه البخاري وتسكت؛ لأن هذه خطيئة عند العلماء، بل لا بد أن تقول: رواه البخاري معلقاً.

لابد أن تذكر كلمة: (معلقاً) ، لماذا؟ لأن المعلقات ليست كلها على شرط البخاري، فمنها ما هو على شرط البخاري، ومنها ما ليس على شرط البخاري، ولكنها لا تدخل من جملة الكتاب؛ لأن صحيح البخاري هو جملة الأحاديث المسندة التي أسندها البخاري إسناداً متصلاً قال فيها: حدثنا فلان عن فلان إلى آخر السند.

وكذلك الإمام مسلم له مقدمة مهد بها لصحيحه، وهذه المقدمة ليست على شرط مسلم، فإذا أورد مسلم الحديث في هذه المقدمة، وأردت أن تعزو الحديث إلى مسلم، فلا بد أن تقول: أخرجه مسلم في المقدمة، ولا تقل: أخرجه مسلم، وتسكت، لماذا؟ لأن في هذه المقدمة أحاديث ليست على شرط مسلم.

إذاً: علمنا أن البخاري رحمه الله يأتي بالمعلقات ليمهد لأحاديث الباب، ويمهد لفكرته ورأيه في المسألة كما فعل هنا، وكما فعل في بداية أبواب كتابه.

فأنت الآن مني، وتريد أن تؤدي القول عني إلى الناس، فكيف تنقل القول عني؟ هل تقول: حدثني، أم تقول: أخبرني، أم تقول: أنبأني، أم تقول: سمعت، أم تقول: قال لي؟ أي صيغة من هذه الصيغ تستخدمها إذا نقلت الكلام عني إلى الناس؟ أنت الآن في وقت التحمل -التحمل: هو أن تسمع مني وتحفظ، للتحمل والأداء بعد ذلك- كما قال تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا} [الجمعة:5] حمل، يعني: أخذ العلم فحمله.

أنت الآن تلميذ، بعد مدة قد تصير شيخاً، ولك تلاميذ، فإذا أردت أن تنقل العلم عن شيوخك إلى الناس بعدما صرت شيخاً، فماذا أنت قائل في النقل؟ بأي صيغة من الصيغ تنقل هذا العلم؟ أتقول: حدثني، أم أخبرني؟! فـ البخاري رحمه الله عقد هذا الباب لأجل أن يقول لك: بعد أن سمعت فضل العلم، وتأدبت بآداب طالب العلم، وتحملت العلم وأخذته عن الشيوخ، إذاً حان وقت الأداء.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015