الإمام البخاري رحمه الله يعلق كثيراً في صحيحه، بخلاف مسلم، فالأحاديث المقطوعة الإسناد في صحيح مسلم في أربعة عشر موضعاً تقريباً، بينما في صحيح البخاري في عشرات المواضع، أو في مئات المواضع.
البخاري رحمه الله عندما يعلق الحديث، هو بذلك يريد أن يمهد للحديث المرفوع، الذي أورده موصولاً في هذا الباب.
إن البخاري تصدى لاستنباط الأحكام الجزئية من الأدلة التفصيلية، بخلاف الإمام مسلم؛ الإمام مسلم صنف صحيحه على الكتب، ولم يصنفه على الأبواب، فلم يقل: باب كذا، باب كذا.
لا، مسلم لم يفعل هذا، إنما بوّبه جماعة، وأشهر من بوب صحيح مسلم وانتشر تبويبه، هو الإمام النووي رحمه الله، أي: أن التبويب الموجود في صحيح مسلم ليس من صنع مسلم، وإنما من صنع النووي، إنما مسلم -كما قلنا- قسم صحيحه إلى كتب فقط، مثل: كتاب الإيمان، كتاب الصلاة، كتاب الطهارة، كتاب الحج، كتاب الغسل، كتاب التيمم،.
إلخ.
البخاري رحمه الله قسم صحيحه إلى كتب، وقسم الكتب إلى أبواب، وتصدى لاستنباط الأحكام الجزئية من الأحاديث، فإذا استنبط الإمام البخاري رحمه الله حكماً من الأحكام فإنه يبوب له، ثم يأتي بالأحاديث المعلقة، أو الآثار المعلقة بين يدي الحديث المسند في هذا الباب؛ يمهد لفكرته ورأيه.
ونستفيد من هذا ما قاله الإمام أحمد: (لا تقولن بقولٍ ليس لك فيه إمام) عندما تحب أن تتبنى قولاً من الأقوال، فاحذر أن تقول قولاً لم يكن قد قاله غيرك من العلماء، لاسيما في هذه الأزمان المتأخرة؛ لأنك عندما تأتي بقول لم يقل به أحد غيرك على الإطلاق، وتزعم أنه الحق، فمعنى هذا باختصار: أن كل من سبقك ضل طريق الحق، وأنت وحدك الذي عرفته، هذا معنى: لا تقل قولاً ليس لك فيه إمام.
فالإمام البخاري كان إذا تبنى قولاً من الأقوال فإنه يذكر من سبقه -لا أقول: على سبيل الاستيعاب، فـ البخاري لم يستوعب أقوال من سبقه- ولكن يذكر بعض أقوال من سبقه في هذا القول، لكنه يحذف إسناده؛ حتى لا يعظم حجم الكتاب، وإلا فـ البخاري عنده أسانيد المعلقات كلها، لكنه صنف كتابه وسماه "الجامع المختصر الصحيح" فلو ذكر أسانيده إلى الصحابة أو إلى التابعين أو إلى من دون التابعين لعظم حجم الكتاب.