وكنا قد قلنا: إن العلم يكتسب، يولد الرجل جاهلاً ثم يتعلم ويملأ الأرض علماً، وهذا فضل من الله تبارك وتعالى، هو الذي يؤتيه من يشاء من عباده.
حينئذٍِ نقول: إن العلم بالتعلم، بخلاف الحلم فإنه لا يتعلم ولا يكتسب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم عندما دخل عليه وفد عبد القيس وفيهم الأشج، فلما دخل سلم وجلس حيث انتهى به المجلس، قال: (يا أشج: إن فيك خصلتين يحبهما الله: الحلم والأناة) .
وفي مسند الإمام أحمد، سأله قال: (يا رسول الله! أهذان الخلقان جبلني الله عليهما؟ قال: نعم.
قال: الحمد لله الذي جبلني على ما يحب) .
فالحلم لا يعلَّم ولا يكتسب، أما العلم فإنه يكتسب، يولد المرء جاهلاً فيكون عالماً.
فكأنه يقال لك: لا تيأس، الصفة المكتسبة هذه -التي هي العلم- يمكن أن تكون كالصفة الجبلية فيك، ولذلك قرن الحلم بالعلم إشارة إلى هذا.
والدليل الآخر الذي ذكره البخاري رحمه الله قال: قال الله عز وجل: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه:114] ، والله تبارك وتعالى لا يأمر نبيه صلى الله عليه وسلم بالازدياد إلا من شيء هو يحبه وقد اصطفاه له، أمره أن يتقلل من الدنيا وأمره أن يستزيد من العلم، فقال: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه:114] .
نسأل الله تبارك وتعالى أن يعلمنا وإياكم ما جهلنا، وأن ينفعنا بما علمنا.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.