سؤال النبي صلى الله عليه وسلم لأُبي بن كعب عن أعظم آية في القرآن

وكذلك أيضاً من جملة ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يسأل أصحابه (أنه سأل أبي بن كعب عن أعظم آية في القرآن، حتى كرره عليه ثلاث مرات، فقال أبي: هي {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة:255] فضرب النبي صلى الله عليه وسلم بيده على صدره، وقال: ليهنك العلم أبا المنذر) ، يعني: هنيئاً لك العلم، إذاً من الفوائد التي يجنيها الطالب هو الثناء الكثير عليه، فأول فائدة نستفيدها من هذا الحديث هي: أن يتفقد الشيخ تلاميذه بأن يطرح عليهم المسألة، حتى يستخرج الكفاءات فيرعاها، ولا شك أن الطالب إذا تربى على عين شيخه أفضل من أن يترعرع في غيابه، قال ابن عباس رضي الله عنهما ل سعيد بن جبير: قم فتكلم، فقال: يا أبا العباس! أأتكلم بين يديك؟! قال: نعم تخطئ فأسددك.

أتعرف ما هي محنة اليتيم؟ أنه لا يجد من يسدده كأبيه، ولا يرعاه كأبيه، ولا يحنو عليه كأبيه، ولا يخاف عليه كأبيه، والولد إذا تربى في كنف أبيه يكون رجلاً.

لاحظ إبراهيم عليه السلام لما أخذ إسماعيل وقص عليه الرؤيا: {قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى} [الصافات:102] نستفيد من هذا أن الوالد عندما يطرح المسألة على ابنه يكبِّر عقله.

أنت بطرح الأسئلة على ابنك تستطيع أن تعرف أن عقله ينمو أم لا، فمثلاً أحياناً الولد يقول لك: نريد أن نفتح دكان حلاوة، بدلاً من أن نشتري من عند الناس نأكل من دكاننا، بمعنى نأكل مجاناً، فكثير من الأولاد يقولون هكذا، فأنت عليك أن تتفقد عقل الولد وإلى أي مرحلة معينة وصل، لكن كثيراً من الآباء يترك ابنه هكذا، عقله يكبر، ينقص، ليس له علاقه بالمسألة هذه، هو يطعمه ويلبسه، يعامله معاملة البغل، ينمِّي جسمه ويربيه فقط، ويترك عقله بلا رعاية ولا اهتمام.

اطرح عليه مسائل وقل له مثلاً: ما رأيك في يوم العيد أعطيك عشرة جنيهات، ماذا تعمل بها؟ يقول: أشتري بها بالونات وأفجرها، بعض الآباء عندما يسمع جواب ولده، فإنه يشتمه ويوبخه، وليس بعيداً أن يضربه ويشبهه بكذا وكذا، لا يا أخي! هو تفكيره وصل إلى هذا الحد، ولكن أنت بإمكانك أن تطرح له قضية، تقول له مثلاً: افترض أننا جالسان هنا، وشخص فتح الباب ومعه سكيناً ويريد أن يعمل فينا كذا وكذا، ماذا نعمل؟ ما بين الفينة والفينة تطرح عليه قضية، حتى تعرف إذا كان عقل ولدك يكبر أم أن عقله واقف كما هو، لو وجدت الولد ميوله عدوانية فهنا لا بد أن توجهه إلى الصواب، كثير من الآباء أو الأمهات يقول لهم الولد: ضربوني في المدرسة، فيكون ردهم له: وأنت أليس لديك يدان؟ الذي يضربك اضربه، يعلمون الولد الحقد، لا، هذا خطأ، فأنت لا بد أن تعلمه أن يكون مسالماً، قل له: اتق الله، فالمسألة هذه تَكْبُر معه.

فالقصد أنه لا يرعى الولد أبداً بهذا الصبر إلا أبوه، لذلك كانت محنة اليتيم محنة كبيرة، وكان كافل اليتيم مع النبي صلى الله عليه وسلم هكذا، بعض الناس يظن أن كافل اليتيم هو أن يعطيه عشرة جنيهات أو عشرين جنيهاً وانتهى، لا، لا يكون كافلاً حتى يكون حفيظاً، لا بد أن يكون حفيظاً.

فالقصد أن الإنسان إذا تربى على عين شيخه، أو على عين أبيه، فهذا فرق كبير بينه وبين الذي يتربى هكذا.

فإذاً أول الفوائد مسألة الاختبار حتى نستخرج الكفاءات.

وفي رواية مجاهد عن ابن عمر قال: (كنا جلوساً عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أُتي بجُمّارٍ فقال: من الشجر شجرة بركتها كالمسلم، قال: فأريت أنها النخلة) للجمّار.

فلاحظ الذكاء! أول ما رأى الجمّار في يده وقال: (من الشجر شجرة بركتها كالمسلم) ، فربط ما بين الجمّار وبين النخلة، وفي هذا دلالة على أنه ينبغي للمُلْغِز أي: المختبر أن لا يعمي ويغلق الباب على الملغز له، يعني: لا تغلق عليه كل الأبواب، يلزم أن تفتح له باباً يفهم منه السؤال، القصد ليس التعجيز والاختبار، القصد أنك تدربه، فإن لم تفتح له باباً لا يستطيع أن يصل إلى الصواب، فينبغي أن يلتفت المرء إلى قرائن الأحوال حتى يعلق الحكم الصحيح على القرينة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015