مسألة حق العباد على الله لابد أن نبينها؛ لأن المعتزلة لهم كلامٌ قبيح في هذه المسألة، يقولون: يجب على الله أن يفعل الأصلح لعبده! لاحظ سخافة العبارة: (يجب على الله أن يفعل الأصلح لعبده) .
ليس لأحد على الله حق أصلاً إلا بمقتضى الوعد.
الله سبحانه وتعالى وعد من أطاعه أن يدخله الجنة، فصار حقاً له بوعد الله، إذ أنه لا يخلف الميعاد، بهذا فقط.
مقتضى كلامهم إنما ليس للعباد حق على الله تبارك وتعالى ابتداءً، ولذلك يجب على الله أن يفعل الأصلح لعباده، هذه الكلمة هي التي أخرجت أبا الحسن الأشعري من مذهب المعتزلة، فمرةً كان يناقش أبا علي الجبائي وكان زوج أمه، فافترضوا مسألة الإخوة الثلاثة: أن هناك إخوة ثلاثة الأول: عاش وعمل الصالحات فأدخله الله الجنة في منزلة معينة، والثاني: مات صغيراً، فأدخله الله الجنة في منزلة تحت منزلة أخيه، والثالث: عاش وعمل بالمعاصي فأدخله الله النار، فالصغير يقول لربنا: يا رب! ارفعني إلى منزلة أخي، قال: إن أخاك عمل من الصالحات ما لم تعمل أنت فلَزِم أن يكون أعلى منك، قال: يا رب! أنت قبضتني صغيراً -ما ذنبي!! - ولو تركتني لآمنت وعملت الصالحات، وصرت بمنزلة أخي، فقال له: لو تركتك فكبرت لكفرت، فرحمتك وراعيت مصلحتك وقبضتك صغيراً، حينئذٍ صاح الذي في النار، وقال: يا رب! فلم تركتني كبرت؟ ولم لم تقبضني صغيراً؟ فإنه ليس من مصلحتي أن أدخل النار.
فلما ألقى أبو الحسن الأشعري هذه المسألة على أبي علي الجبائي لم يستطع جواباً وانقطع، قال: وقف حمار الشيخ! وتركه وخرج إلى أبي محمد البربهاري، الذي كان إمام الحنابلة في بغداد في ذلك الوقت وكان له قصة عجيبة وهي: أن الخليفة في بغداد مرة كان جالساً في قصره فسمع رجة كالزلزال، ففزع وسأل عن ذلك، قالوا: لا شيء، إلا أن أبا محمد البربهاري عطس وأصحابه يقولون له: يرحمك الله، فيرحمك الله هذه خرجت كالرعد ففزع منها الخليفة، مما جعل الخليفة يقول: لا يساكنني في البلد، وأخرجه إلى خارجها.
ف أبو محمد البربهاري كان ذا جلالة عظيمة في بغداد، وهو الذي كان يقف لـ أبي الحسن الأشعري عندما كان إمام الاعتزال فـ أبو الحسن لما رجع ودخل على أبي محمد البربهاري، وقال له: أنا تبت ورجعت إلى مذهب أبي عبد الله أحمد بن حنبل، فلم يقبل منه البربهاري مع كثرة ما فعل بأهل السنة، فخرج أبو الحسن الأشعري من عنده وصنف آخر كتبه، على ما يذكر أهل العلم وهو كتاب: الإبانة.
فالمقصود أنه لا حق للعباد على الله إلا بمقتضى وعد الله إياهم، أنه من عمل الصالحات يدخل الجنة.