فإن كانت رواية التنيسى عن مالك محفوظة ولم تكن غلطًا، فوجه موافقتها للترجمة أن المؤذن كان يعتكف للصبح، أى ينتظر الصبح لكى يؤذن، والعكوف فى اللغة: الإقامة، فكان يرقب طلوع الفجر ليؤذن فى أوله، فإذا طلع الفجر أذن، فحينئذ كان يركع الرسول ركعتى الفجر قبل أن تقام الصلاة، ويشهد لصحة هذا المعنى رواية الجماعة عن مالك: (كان إذا سكت المؤذن صلى ركعتين خفيفتين) ، فدل أن ركوعه كان متصلاَ بأذانه، ولا يجوز أن يكون ركوعه إلا بعد الفجر، فكذلك كان الأذان بعد الفجر، وعلى هذا المعنى حمله البخارى، ولذلك ترجم له باب (الأذان بعد الفجر) ، وأردف عليه حديث عائشة: (أن النبى كان يصلى ركعتين خفيفتين بين النداء والإقامة من صلاة الصبح) ، ليدل أن هذا النداء كان بعد الفجر. فمن أنكر هذا لزمه أن يقول أن صلاة الصبح لم يكن يؤذن لها بعد الفجر، وهذا غير سائغ من القول. وأما أذان ابن أم مكتوم فقد اختلف العلماء فى تأويله، فقال ابن حبيب: ليس معنى قوله: (أصبحت أصبحت) إفصاحًا بالصبح على معنى أن الصبح قد انفجر وظهر، ولكنه على معنى التحذير من إطلاعه والتحضير له على النداء بالأذان خيفة انفجاره، ومثل هذا قال أبو محمد الأصيلى، وأبو جعفر الداودى، وسائر المالكيين، وقالوا: معنى قوله: (أصبحت أصبحت) ، قارب الصباح كما قال تعالى: (فإذا بلغن أجلهن) [البقرة: 234] ، يريد إذا قارب ذلك؛ لأنه إذا انقضى أجلها وتمت عدتها فلا سبيل لزوجها إلى مراجعتها وقد انقضت عدتها، قالوا: ولو كان أذان ابن أم مكتوم بعد الفجر لم يجز أن يؤمر بالأكل إلى وقت أذانه؛ للإجماع أن الصيام واجب من أول الفجر. وأما مذهب البخارى فى هذا الحديث على ما ترجم به فى هذا