وقوله (صلى الله عليه وسلم) : (لا يقتل المؤمن بكافر) حجة قاطعة فى هذا الباب لثباته عنه (صلى الله عليه وسلم) ، فلا معنى لمن خالفه. واحتج الكوفيون بالإجماع على أن المسلم تقطع يده إذا سرق من مال ذمى؛ فنفسه أحرى أن تؤخذ بنفسه، وهذا قياس حسن لولا أنه باطل بقوله (صلى الله عليه وسلم) : (لا يقتل مسلم بكافر) . فإن قالوا: قد قال (صلى الله عليه وسلم) : (لا يقتل مسلم بكافر، ولا ذو عهد فى عهده) يعنى بكافر؛ لأنه معلوم أن الإسلام يحقن الدم، والعهد يحقن الدم. قيل: بهذا الحديث علمنا أن المعاهد يحرم دمه، وهى فائدة الخبر ومحال أن يأمر تعالى بقتل الكافر حيث وجد ثم يقول: إذا قتلوهم قتلوا بهم. والمعنى: لا يقتل مؤمن بكافر على العموم فى كل كافر، ولا يقتل ذو عهد فى عهده قصة أخرى، وهو عطف على (لا يقتل) لأن هذا الذى أضمر لو أظهر فقيل: لا يقتل مؤمن بكافر، ولا يقتل ذو عهد فى عهده، ولو أفرد وحده. فقيل: لا يقتل ذو عهد ولم يكن قبله كلام لكان مستقيمًا، وإنما ضم هذا الكلام إلى القصة التى قبلها والله أعلم ليعلموا حين قيل لهم لا يقتل مؤمن بكافر أنهم نهوا عن قتل ذى العهد فى عهده فاحتمل ذلك فى كل ذى عهد من أهل الذمة المقيمين فى دار الإسلام، وفيمن دخل بأمان وهو فى معنى قوله تعالى: (وإن أحد من المشركين استجارك فأجره) [التوبة: 6] الآية، فأعلم الله ذلك عباده. قاله إسماعيل بن إسحاق وابن القصار.