قال المهلب وغيره: لما أقر الرجل عند النبى (صلى الله عليه وسلم) بأنه أصاب حدا، ولم يبين الحدَّ، ولم يكشفه النبى (صلى الله عليه وسلم) عنه ولا استفسره (صلى الله عليه وسلم) ؛ فدل على أن الكشف عن الحدود لا يحل فإن الستر أولى. وكأنه (صلى الله عليه وسلم) رأى أن الكشف عن ذلك ضرب من التجسس المنهى عنه فلذلك أضرب عنه وجعلها شبهة درأ بها الحد؛ لأنه كان بالمؤمنين رءوفًا رحيمًا. وجائز أن يكون الرجل ظن أن الذى أصاب حدا وليس بحد فيكون ذلك مما يكفر بالوضوء والصلاة، ولما لم تجز إقامة الحدود بالكناية دون الإفصاح وجب ألا يكشف السلطان عليه؛ لأن الحدود لا تقام بالشبهات بل تدرأ بها، وهذا يوجب على المرء أن يستر على نفسه إذا واقع ذنبًا ولا يخبر به أحدًا لعلَّ الله تعالى أن يستره عليه وقد جاء فى هذا الحديث عن النبى (صلى الله عليه وسلم) : (من ستر مسلمًا ستره الله) فستر المرء على نفسه أولى به من ستره على غيره.
/ 12 - فيه: ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِى اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: (لَمَّا أَتَى مَاعِزُ بْنُ مَالِكٍ النَّبِىَّ (صلى الله عليه وسلم) ، قَالَ لَهُ: لَعَلَّكَ قَبَّلْتَ، أَوْ غَمَزْتَ، أَوْ نَظَرْتَ؟ قَالَ: لا، يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: أَنِكْتَهَا؟ لا يَكْنِى، قَالَ: فَعِنْدَ ذَلِكَ أَمَرَ بِرَجْمِهِ) . قال المهلب وغيره: فى هذا الحديث دليل على جواز تلقين المقر فى الحدود ما يدرأ بها عنه ألا ترى أن النبى (صلى الله عليه وسلم) قال لماعز: (لعلك غمزت أو قبلت) ليدرأ عنه الحد إذ لفظ الزنا يقع على نظر