وروى ابن عبد الحكم عن مالك أنه إذا اعترف بغير محنة ثم نزع لم يقبل منه رجوعه. وقال أشهب وأهل الظاهر: وممن روى عنه أنه إذا أقر ثم رجع لا يقبل منه رجوعه، وأقيم عليه الحد؛ وهم: ابن أبى ليلى والحسن البصرى. قال ابن المنذر: واحتج الشافعى بقوله (صلى الله عليه وسلم) فى ماعز: (هلا تركتموه) قال: فكل حد لله فهو هكذا، ولقوله لماعز: (لعلك قبلت أوغمزت) فالنبى (صلى الله عليه وسلم) كان يلقنه ويعرض عليه بعد اعتراف قد سبق منه فلو أنه قال: نعم، قبلت أوغمزت لسقط عنه الرجم، وإلا لم يكن لتعريض النبى (صلى الله عليه وسلم) لذلك معنى فعلم أنه إنما لقنه لفائدة وهى الرجوع، فهذا دليل قاطع. وحجة الآخرين أن الحدود تلزم بالبينة أو بالإقرار، وقد تقرر أنه لو لزم الحد بالبينة لم يقبل قوله فكذلك إذا إقر ثم رجع، وقالوا: ليس قوله (صلى الله عليه وسلم) : (هلا تركتموه) يوجب إسقاط الحد عنه. ويحتمل أن يكون لما ذكره جابر بن عبد الله من النظر فى أمره والتثبت فى المعنى الذى هرب من أجله ولو وجب أن يكون الحد ساقطًا عنه بهربه لوجب أن يكون مقتولا خطأ. وفى ترك النبى (صلى الله عليه وسلم) إيجاب الدية على عواقل القاتلين له بعد هربه دليل على أنهم قاتلون من عليه القتل، إذ لو كان دمه محقونًا بهربه لأوجب على عواقل قاتليه ديته، وليس فى شىء من أخبار ماعز دليل على الرجوع عما أقر به. وأكثر ما فيه أنه سأل عندما نزل به من الألم أن يرد إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ولم يقل ما زنيت، وهذا القول أشبه بالصواب.