روى ذلك عن ابن مسعود والحسن البصرى والقاسم، وذكره ابن المنذر عن عمر بن الخطاب. ورخص فى ذلك طائفة: وذكر ابن المنذر أن زيد بن ثابت كان يأخذ على القضاء أجرًا، وروى ذلك عن ابن سيرين وشريح، وهو قول الليث وإسحاق وأبى عبيد، والذين كرهوه ليس بحرام عندهم. وقال الشافعى: إذا أخذ القاضى جعلا لم يحرم عليه عندى. واحتج أبو عبيد فى جواز ذلك بما فرض الله للعاملين على الصدقة، وجعل لهم منها حقا لقيامهم وسعيهم فيها. قال ابن المنذر: وحديث ابن السعدى حجة فى جواز أرزاق القضاة من وجوهها. قال المهلب: وإنما كره من كرهه؛ لأن أمر القضاء إنما هو محمول فى الأصل على الاحتساب، ولذلك عظمت منازلهم وأجورهم فى الآخرة، ألا ترى أن الله أمر نبيه وسائر الأنبياء أن يقولوا: لا أسألكم عليه أجرًا؛ ليكون ذلك دليلا على البراءة من الاتهام. ولذلك قال مالك: أكره أجر قسام القاضى؛ لأن من مضى كانوا يقسمون ويحتسبون ولا يأخذون أجرًا. فأراد أن يجرى هذا الأمر على طريق الاحتساب على الأصل الذى وضعه الله للأنبياء، عليهم السلام؛ لئلا يدخل فى هذه الصناعة من لا يستحقها أو يتحيل على أموال المسلمين، وأما من حكم بالحق إذا تصرف فى مصالح المسلمين فلا يحرم عليه أخذ الأجر على ذلك. وقد روى عن عمر بن الخطاب أنه استعمل ابن مسعود على بيت المال، وعمار بن ياسر على الصلاة، وابن حنيف على الجند، ورزقهم كل يوم شاة شطرها لعمار؛ وربعها لابن مسعود، وربعها لابن حنيف.