وبذله ورغبه فيه حقنًا للدماء وحرصًا على رفع سيف الفتنة، وعرفه ما وعد به النبى (صلى الله عليه وسلم) من سيادته، وأن الله يصلح به بين فئتين من المسلمين، فقال له الحسن: إنا بنو عبد المطلب المجبولون على الكرم والتوسع لمن حوالينا من الأهل والموالى، وقد أصبنا من هذا المال بالخلافة ما صارت لنا به عادة إنفاق وإفضال على الأهل والحاشية، فإن تخليت من هذا الأمر قطعنا العادة (وإن هذه الأمة قد عاثت فى دمائها) يقول: قتل بعضها بعضًا فلا يكفون إلا بالمال، فأراد أن يسكن أمر الفتنة ويفرق المال فيما لا يرضيه غير المال، فقالا: نفرض لك من المال فى كل عام كذا ومن الأقوات والثياب ما تحتاج إليه لكل ما ذكرت، فصالحاه على ذلك. وفيه من الفقه: أن الصلح على الانخلاع من الخلافة والعهد بها على أخذ مال جائز للمختلع والمال له طيب، وكذلك هو جائز للمصالح الدافع المال إذا كان كل واحد منهما له سبب فى الخلافة يستند إليه، وعقد من الإمارة يعول عليه. وقوله: (بين فئتين من المسلمين) يدل أن قتال المسلم للمسلمين لا يخرجه من الإسلام إذا كان على تأويل، ويفسر قوله (صلى الله عليه وسلم) : (إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول فى النار) . يريد إن أنفذ الله عليهما الوعيد. وذكر أهل الأخبار أنه لما قتل على بن أبى طالب بايع أهل الكوفة الحسن بن على، وبايع أهل الشام معاوية، فسار معاوية بأهل الشام يريد الكوفة، وسار الحسن بأهل العراقين، فالتقيا بمنزل من أرض الكوفة، فنظر الحسن إلى كثرة من معه من أهل العراق، فنادى: يا معاوية، إنى قد اخترت ما عند الله،