يَا رَسُولَ اللَّهِ حَيْثُ شِئْتَ، فَقَالَ: (بَخٍ، ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ، ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ قَدْ سَمِعْتُ مَا قُلْتَ فِيهَا، وَأَرَى أَنْ تَجْعَلَهَا فِى الأَقْرَبِينَ) ، قَالَ: أَفْعَلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَسَمَهَا أَبُو طَلْحَةَ فِى أَقَارِبِهِ وَبَنِى عَمِّهِ. قال المهلب: قوله عليه السلام: (قد سمعت ما قلت) يدل على قبول النبى لما جعل إليه أبو طلحة من الرأى فى وضعها، ثم رد النبى الوضع فيها إلى أبى طلحة بعد أن أشار عليه فيمن يضعها. وفيه أن للوكيل أن يقبل ما وكل عليه وله أن يرد، وأن الوكالة لا تتم إلا بقبول الوكيل، ألا ترى أن أبا طلحة قال للنبى: (فضعها يا رسول الله حيث أراك الله) فأشار عليه بالرأى، ورد عليه العمل وقال: (أرى أن تجعلها فى الأقربين) فتولى أبو طلحة قسمتها. وفيه: أن من أخرج شيئًا من ماله لله ولم يملكه أحد، فجائز له أن يضعه حيث أراه الله من سبل الخير، وجائز أن يشاور فيه من يثق برأيه من إخوانه وليس لذلك وجه معلوم لا يتعدى، كما قال بعض الناس: معنى قول الرجل: لله وفى سبيل الله فى وجه دون وجه، ألا ترى أن هذه الصدقة الموقوفة رجعت إلى قرابة أبى طلحة، ولو سبلها فى وجه من الوجوه لم تصرف إلى غيره. واختلف الفقهاء إذا قال الرجل: خذ هذا المال فاجعله حيث أراك الله من وجوه الخير، هل يأخذ منه لنفسه إن كان فقيرًا أم لا؟ فقالت طائفة: لا يأخذ منه شيئًا، لأنه إنما أمر بوضعه عند غيره. وهذا يشبه مذهب مالك فى المدونة، سئل مالك عن رجل أوصى بثلث ماله لرجل أن يجعله حيث رأى، فأعطاه ولد نفسه، يعنى ولد الوصى أو أحدًا من ذوى قرابته، قال مالك: لا أرى ذلك جائزًا.