واختلف العلماء فى ذلك، فذهب مالك فى رواية المدنيين عنه: أن الماء الذى تحله النجاسة إذا لم يتغير طعمه، أو لونه، أو ريحه، فهو طاهر، قليلاً كان الماء، أو كثيرًا، وبه قال النخعى، والحسن، وابن المسيب، وربيعة، وابن شهاب، وفقهاء المدينة. وذهب الكوفيون إلى أن النجاسة تفسد قليل الماء وكثيره، إلا الماء المستبحر الكثير الذى لا يقدر أحد على تحريك جميعه قياسًا على البحر الذى قال فيه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : تمت هو الطهور ماؤه الحل ميتته -. وذهب الشافعى إلى أن الماء إن كان دون قلتين نجَس، وإن لم يتغير، وإن كان قلتين فصاعدًا لم ينجُس إلا بالتغير، وبه قال أحمد، وإسحاق. ولابن القاسم، عن مالك أن قليل النجاسة يُفسد قليل الماء، وإن لم تغيره، ولم يعتبر القلتين. وحديث بول الأعرابى فى المسجد يرد حديث القلتين، لأن الدلو أقل من القلتين، وقد طهر موضع بول الأعرابى، ويرد أيضًا على أبى حنيفة أصله فى اعتباره الماء المستبحر. وقال النسائى: لا يثبت فى انتجاس الماء إلا حديث بول الأعرابى فى المسجد، إلا أن أصحاب الشافعى لما لزمتهم الحجة به فزعوا إلى التفريق بين ورود الماء على النجاسة، وبين ورود النجاسة على الماء، فراعوا فى ورودها عليه مقدار القلتين، ولم يراعوا فى وروده عليها ذلك المقدار.