من قليل الخمر وإن لم يسكر؛ لأن ذلك داعى إلى كثيرها، ومثل هذا فى العبادات كثير. منه أن البيع يوم الجمعة وقت النداء منهى عنه خشية فوت الجمعة، فاحتيط عليهم بأن منعوا البيع فيه. ومنه سائق الهدى تطوعًا إذا عطب قبل محله أمر ألا يأكل منه، ولا يطعم أحدًا؛ خيفة أن يتطرق إلى نحره ويدعى عطبه. ومنه الخاطب فى العدة منع من التصريح؛ لما يدعو إليه التصريح من دواعى الشهوة. فكذلك كل ما وقع عليه اسم خمر فحكمه واحد فى التحريم، مع أن القدر الذى يحدث عنه السكر غير معلوم، فلا يجوز أن يتعلق به التحريم؛ لاختلاف طباع الناس، فربما أسكر القليل منه بعض الناس، ومنهم من لا يسكره إلا الكثير، فحسم الله المادة بتحريم قليله وكثيره خيفة مواقعة السكر. وقد ألزم الشافعى الكوفيين إلزامًا صحيحًا فقال: ما تقولون فيمن شرب القدر الذى لا يسكره؟ قالوا: مباح، قال لهم: فإن خرج فهبت عليه الريح فسكر مما شربه؟ قالوا: حرام، فقال: هل رأيتم شيئًا يدخل الجوف وهو حلال ثم يصير محرمًا؟ قال إسماعيل بن إسحاق: وقوله: (الخمر ما خامر العقل) فهو أن يصير على القلب من ذلك شىء يغطيه، ومن ذلك سمى الِخمَار؛ لأنه يغطى الرأس، ويقال للشجر الملتف الذى يغطى من تحته: الخمَر.