قال المهلب: قوله: (نزل تحريم الخمر وهى من خمسة أشياء) ففسر ما أنزل، وهذا يجرى مجرى المسندات، وإذا لم يجد مخالفًا له فى الصحابة وجب أن يكون هذا التفسير لكتاب الله ولما حرم فيه مجمعًا عليه فى الصحابة فيرتفع الإشكال عمن تلبس عليه أمره، إن أراد الله هدايته، ومن الدليل القاطع لهم إجماعنا وإياهم على تحريم قليل الخمر من العنب، ولا يخلو تحريمها أن يكون لمعنى أو لغير معنى، فإن قيل: إنه لغير معنى، فمعاذ الله أن يأمر بشىء عبثًا، وإذا كان ذلك لمعنى، فلا معنى لقليل الخمر من العنب إلا وهو موجود فى قليل الخمر من غيرها، فإذا صحت العلة فيهما جميعًا وجب أن يكون حكمهما واحدًا، وإن كان إلى المعقول والإنصاف سبيل ووجه العلة التى حرم بها قليل الخمر من العنب وغيرها: أن كل نقطة من الخمر تأخذ بنصيب من إسكار العقل؛ لأن من شرب عشرة كئوس فلم يسكر، وشرب كأسًا واحدًا بعدها فسكر منه، لم يجز أن يقال: إن ذلك الكأس وحده أسكره؛ لأنه قد شرب قبله تسعًا فلم يسكر، فوجب بهذا النظر أن لكل كأس جزءًا من السكر. ومثال ذلك لو أن سفينة رُمى فيها عشرة أقفزة فلم تغرق، فرمى فيها قفيز زائد فغرقت، لم يكن غرقها بالقفيز ولا بثقله وحده، بل إنما كان غرقها بالجميع؛ لأن القفيز الواحد قد رمى فيها أولا فلم تغرق به، وليس بين العقول وبين هذا حجاب. قال ابن القصار: وإنما احتاط الله - تعالى - على عباده بأن يمتنعوا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015