وقد أجمعوا أن الإنسان غير مأخوذ عليه أن يوقى ثوبه، أو بدنه مما يترشش عليه من الماء المستعمل، وقد أخذ عليه أن يتحرز من ترشش البول، فلو كان نجسًا لوجب التحرز منه. فصح أنه طاهر، لأنه ماء لم يتغير طعمه ولا لونه ولا ريحه، ولم يؤثر الاستعمال فى عينه، فلم يؤثر فى حكمه، وهو طاهر لاقى جسمًا طاهرًا، فجاز أن يسقط به الفرض مرة أخرى كالماء الذى غسل به ثوب طاهر، فمن أين تحدث فيه نجاسة؟ . وقد روى عن على، وابن عمر، وأبى أمامة، وعطاء، ومكحول، والنخعى، والحسن أنهم قالوا فيمن نسى مسح رأسه فوجد فى لحيته بللاً: يجزئه أن يمسحه بذلك البلل، فدل أنهم كانوا يرون استعمال الماء المستعمل. وقال غيره: يقال لمن قال: إن ماء الذنوب نجس، بل هو ماء طاهر مبارك، لأنه الماء الذى رفع الله بالغسل به الخطايا، وقد رفع الله ما كانت فيه هذه البركة عن النجاسة، وبالله التوفيق. قال المهلب: ففى أحاديث هذا الباب دليل على أن لعاب أحد من البشر ليس بنجس ولا بقية شربه، وذلك يدل أن نهيه، (صلى الله عليه وسلم) ، عن النفخ فى الطعام والشراب ليس على سبيل أن ما تطاير فيه من اللعاب ينجسه، وإنما هو خشية أن يتقذره الآكل منه، فأمر بالتأديب فى ذلك، وهذا التقذر الذى نهى عن النفخ من أجله مرتفع عن النبى، (صلى الله عليه وسلم) ، بل كانت نخامته أطيب عند المسلمين من المسك، لأنهم كانوا يتدافعون عليها، ويدلكون بها وجوههم لبركتها