واختلف العلماء فى ذلك. فروى عن على، وابن مسعود، وابن عباس، أنهم قالوا: لا بأس أن تبدأ برجليك قبل يديك فى الوضوء، وهذا قول عطاء، وسعيد بن المسيب، والنخعى، وإليه ذهب مالك، والليث، والثورى، وسائر الكوفيين، والأوزاعى، والمزنى. وقال الشافعى، وأحمد وإسحاق، وأبو ثور: لا يجزئه الوضوء غير مرتب حتى يغسل كلا فى موضعه، واحتجوا بأن الواو قد تكون للترتيب كقوله تعالى: (ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا) [الحج: 77] ، وقوله: (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللهِ) [البقرة: 58] ، وقوله (صلى الله عليه وسلم) : تمت نبدأ بما بدأ الله به -. فأجابهم أهل المقالة الأولى فقالوا: إنا لا ننكر إذا صحب الواو بيان يدل على التقدمة أنها تصير إليه بدلالته، وإلا فالظاهر أن موضعها للجمع، ولو كانت الواو توجب رتبة لما احتاج (صلى الله عليه وسلم) إلى تبيين الابتداء بالصفا، وإنما بيَّن ذلك إعلامًا لمراد الله من الواو فى ذلك الموضع، وليس وضوءه (صلى الله عليه وسلم) على نسق الآية أبدًا بيانًا لمراد الله من آية الوضوء كبيانه لركعات الصلوات، لأن آية الوضوء بينة مستغنية عن البيان، والصلوات مختلفة مفتقرة إليه، ومما جاء فى القرآن مما لا توجب الواو فيه النسق قوله تعالى: (وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ) [البقرة: 196] ، فبدأ بالحج قبل العمرة، وجائز عند الجميع أن يعتمر الرجل قبل الحج، وكذلك قوله: (وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ) [البقرة: 110] جائز لمن وجب عليه إخراج زكاة فى حين صلاة أن يبدأ بالزكاة، ثم يصلى الصلاة فى وقتها عند الجميع، وكذلك قوله