قالوا: ومما يدل على صحة ذلك ما رواه ابن وهب، عن عبد الرحمن بن زياد، عن أبى عطية الهذلى، قال: صليت مع ابن عمر الظهر والعصر والمغرب، فتوضأ لكل صلاة، فقلت له: ما هذا؟ فقال: ليست بسنةٍ ولكنى سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول: تمت من توضأ على طهر كتب له عشر حسنات -. فبان بما ثبت عنه (صلى الله عليه وسلم) من سنته أن الوضوء لا يجب إلى القيام للصلوات إلا عن الأحداث الموجبة للطهارة، وهذا قول مالك، والثورى، وأبى حنيفة، وأصحابه، والأوزاعى، والشافعى، وعامة فقهاء الأمصار، ومن بعدهم إلى وقتنا هذا. وقوله: تمت وبين رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أن فرض الوضوء مرةً مرةً -، وذلك أنه صلى به فَعُلِمَ أنه الفرض، إذ لا ينقص (صلى الله عليه وسلم) من فرضه، وهو المُبَيِّن عن الله لأمته دينهم. ووضوءه (صلى الله عليه وسلم) مرتين وثلاثًا هو من باب الرفق بأمته والتوسعة عليهم ليكون لمن قصر فى المرة الواحدة عن عموم غسل أعضاء الوضوء أن يستدرك ذلك فى المرة الثانية والثالثة، ومن أكمل أعضاءه فى المرة الواحدة فهو مخير فى الاقتصار عليها أو الزيادة على المرة الواحدة. وكان تنويع وضوئه (صلى الله عليه وسلم) من باب التخيير، كما ورد التخيير فى كفارات الأَيْمَان بالله، وعقوبة المحاربين. وقال أبو الحسن بن القصار: نسق الأعضاء فى الآية بالواو بعضها على بعض دليل أن الرتبة غير واجبة فى الوضوء، لأن حقيقة الواو فى لسان العرب الجمع والاشتراك دون التعقيب، والتقديم، والتأخير، هذا قول سيبويه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015