وَادَّهَنَ، وَلَبِسَ إِزَارَهُ وَرِدَاءَهُ هُوَ وَأَصْحَابُهُ، فَلَمْ يَنْهَ عَنْ شَيْءٍ مِنَ الأرْدِيَةِ وَالأزُرِ تُلْبَسُ إِلا الْمُزَعْفَرَةَ الَّتِى تَرْدَعُ عَلَى الْجِلْدِ، فَأَصْبَحَ بِذِى الْحُلَيْفَةِ رَكِبَ رَاحِلَتَهُ حَتَّى اسْتَوَى عَلَى الْبَيْدَاءِ أَهَلَّ هُوَ وَأَصْحَابُهُ، وَقَلَّدَ بَدَنَتَهُ، وَذَلِكَ لِخَمْسٍ بَقِينَ مِنْ ذِى الْقَعْدَةِ فَقَدِمَ مَكَّةَ لأرْبَعِ لَيَالٍ خَلَوْنَ مِنْ ذِى الْحَجَّةِ، فَطَافَ بِالْبَيْتِ، وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَلَمْ يَحِلَّ مِنْ أَجْلِ بُدْنِهِ؛ لأنَّهُ قَلَّدَهَا، ثُمَّ نَزَلَ بِأَعْلَى مَكَّةَ عِنْدَ الْحَجُونِ، وَهُوَ مُهِلٌّ بِالْحَجِّ، وَلَمْ يَقْرَبِ الْكَعْبَةَ بَعْدَ طَوَافِهِ بِهَا حَتَّى رَجَعَ مِنْ عَرَفَةَ، فَأَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ، وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، ثُمَّ يُقَصِّرُوا مِنْ رُءُوسِهِمْ، ثُمَّ يَحِلُّوا، وَذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ بَدَنَةٌ قَلَّدَهَا، وَمَنْ كَانَتْ مَعَهُ امْرَأَتُهُ فَهِىَ لَهُ حَلالٌ وَالطِّيبُ وَالثِّيَابُ. قال المهلب: أجمع المسلمون أن المحرم لا يلبس إلا الأرز والأردية وما ليس بمخيط، لأن لبس المخيط من الترفه، فأراد الله عز وجل أن يأتوه شعثًا غبرًا آثار الذلة والخشوع، فلذلك نهى عليه السلام المحرم أن يلبس ثوبًا مصبوغًا بورس أو زعفران؛ لأن ذلك طيب، ولا خلاف بين العلماء أن لبس المحرم ذلك لا يجوز. واختلفوا فى الثوب المعصفر للمحرم، فأجازه جابر، وابن عمر، وعائشة، وأسماء بنت أبى بكر، وهو قول القاسم وعطاء وربيعة. وقال مالك: العصفر ليس بطيب، وكرهه للمحرم؛ لأنه ينتفض على جلده، فإن فعل فقد أساء ولا فدية عليه، وهو قول الشافعى، وقال أبو ثور: إنما كرهنا المعصفر؛ لأن النبى عليه السلام نهى عنه، لا أنه طيب، وكره عمر بن الخطاب لباس الثياب المصبغة. وقال أبو حنيفة والثورى: العصفر طيب وفيه الفدية،