قال المهلب: فيه من الفقه أن التألى على الله فى أمر لا يجد منه سعة ولا إلى غيره سبيلاً منهى عنه، كما نهى النبى، عليه السلام، عبد الله بن عمرو عن ما تألى فيه من قيام الليل وصيام النهار، وكذلك من حلف ألا يتزوج ولا يأكل ولا يشرب، فهذا كله غير لازم عند أهل العلم لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِىُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ) [التحريم: 1] وللذى حلف ألا ينكح أن ينكح، وكذلك سائر المحرجات الشاملة مباح له إتيان ما حلف عليه وعليه كفارة اليمين بالله. وفيه: أن التعمق فى العبادة والإجهاد للنفس مكروه لقلة صبر الشر على التزامها لا سيما فى الصيام الذى هو إضعاف للجسم، وقد رخص الله فيه فى السفر، لإدخال الضعف على من تكلف مشقة الحل والترحال، فكيف إذا انضاف ذلك إلى من كلفه الله قتال أعدائه الكافرين حتى تكون كلمة الله هى العليا، ألا ترى أن النبى، عليه السلام، قال ذلك فى هذا الحديث عن داود: (وكان لا يفر إذا لاقى) ، فإنه أبقى لنفسه قوة، لئلا تضعف نفسه عند المدافعة واللقاء. وقد كره قوم من السلف صوم الدهر، روى ذلك عن عمر، وابن مسعود، وأبى ذر، وسلمان، وعن مسروق، وابن أبى ليلى، وعبد الله بن شداد، وعمرو بن ميمون، واعتلوا بقوله عليه السلام فى صيام داود: (لا أفضل من ذلك) . وقوله: (لا صام من صام الأبد، مرتين) ، وقالوا: إنما نهى عن صيام الأبد لما فى ذلك من الإضرار بالنفس، والحمل عليها، ومنعها من الغذاء الذى هو قوامها