وقول عمر: (فإذا قبضت فاحملونى، ثم قل: يستأذن عمر) ، ففبه من الفقه: أن من وُعِدَ أنه يجوز له الرجوع فيها، ولا يقضى عليه بالوفاء بها، لأن عمر لو علم أنه لا يجوز لعائشة الرجوع فى عدتها، لما قال ذلك، وسيأتى فى كتاب الهبة ما يلزم من العدة وما لا يلزم منها، واختلاف الناس فيها، إن شاء الله. وفيه من الفقه: أنه من بعث رسولاً فى حاجة مهمة أن له أن يسأل الرسول قبل وصوله إليه، وقبل إيراده الرسالة عليه، ولا يُعدُّ ذلك من قلة الصبر، ولا يُذُّم فاعله بل هو من الحرص على الخير، لقوله لابنه وهو مُقبلٌ: ما لديك. وفيه: أن الخليفة مباح له أن لا يستخلف على المسلمين غيره، لأن رسول الله لم يستخلف أحدًا، وأن للإمام أن يترك الأمر شورى بين الأمة إذا علم أن فى الناس بعده من يحسن الاختيار للأمة. وفيه: إنصاف عمر وإقراره بفضل أصحابه. وفيه: أن المدح فى الوجه بالحق لا يُذم المادح به، لأن عمر لم ينه الأنصارى حين ذكر فضائله، فبان بهذا أن المدح فى الوجه المنهى عنه إنما هو المدح بالباطل. وفيه: أن الرجل الفاضل ينبغى له أن يخاف على نفسه ولا يثق بعمله، ويكون الغالب عليه الخشية، ويصغر نفسه، لقوله: ليتنى تخلصت من ذلك كفافًا، وقد سئلت عائشة عن قول الله تعالى: (والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة) [المؤمنون: 60] ، فقالت: نعم، الذين يعملون الأعمال الصالحة ويخافون ألا تتقبل منهم، وعلى هذا مضى خيار السلف، كانوا من عبادة ربهم فى الغاية القصوى، ويعدُّون