الْمُؤْمِنِينَ، بِبُشْرَى اللَّهِ، كَانَ لَكَ مِنَ الْقَدَمِ فِى الإسْلامِ مَا قَدْ عَلِمْتَ، ثُمَّ اسْتُخْلِفْتَ فَعَدَلْتَ، ثُمَّ الشَّهَادَةُ بَعْدَ هَذَا كُلِّهِ، فَقَالَ: لَيْتَنِى يَا ابْنَ أَخِى، وَذَلِكَ كَفَافًا لا عَلَىَّ وَلا لِى، أُوصِي الْخَلِيفَةَ مِنْ بَعْدِى بِالْمُهَاجِرِينَ الأوَّلِينَ خَيْرًا، أَنْ يَعْرِفَ لَهُمْ حَقَّهُمْ، وَأَنْ يَحْفَظَ لَهُمْ حُرْمَتَهُمْ، وَأُوصِيهِ بِالأنْصَارِ خَيْرًا: (الَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإيمَانَ (أَنْ يُقْبَلَ مِنْ مُحْسِنِهِمْ، وَيُعْفَى عَنْ مُسِيئِهِمْ، وَأُوصِيهِ بِذِمَّةِ اللَّهِ، وَذِمَّةِ رَسُولِهِ، أَنْ يُوفَى لَهُمْ بِعَهْدِهِمْ، وَأَنْ يُقَاتَلَ مِنْ وَرَائِهِمْ، وَأَنْ لا يُكَلَّفُوا فَوْقَ طَاقَتِهِمْ. قال المؤلف: غرض البخارى فى هذا الحديث، والله أعلم، أن يبين فضل أبى بكر وعمر بما لا يشركهما فيه أحد، وذلك أنهما كانا وزيرى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فى حياته، وعادا ضجيعيه بعد مماته، فضيلة خصهما الله بها، وكرامة حباهما بها، لم تحصل لأحد، ألا ترى وصية عائشة إلى ابن الزبير أن لا يدفنها معهم خشية أن تزكى بذلك، وهذا من تواضعها وإقرارها بالحق لأهله وإيثارها به على نفسها من هو أفضل منها، ولم تر أن تُزَكَّى بدفنها مع الرسول، ورأت عمر بن الخطاب لذلك أهلاً. وإنما استأذنها عمر فى ذلك ورغب إليها فيه، لأن الموضع كان بيتها، وكان لها فيه حق، وكان لها أن تؤثر به نفسها لذلك، فآثرت به عمر، وقد كانت عائشة رأت رؤيا دلتها على ما فعلت حين رأت ثلاثة أقمار سقطن فى حجرها، فقصتها على أبى بكر الصديق، فلما توفى رسول الله، ودفن فى بيتها قال أبو بكر: هذا أحد أقمارك، وهو خيرها. فيه من الفقه: الحرص على مجاورة الموتى الصالحين فى القبور طمعًا أن تنزل عليهم رحمة فتصيب جيرانهم، أو رغبة أن ينالهم دعاء من يزورهم فى قبورهم من الصالحين.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015