باب السهو في الفرض والتطوع

قال البخاري رحمه الله: [باب: السهو في الفرض والتطوع].

والبخاري رحمه الله بهذا يرد على بعض الآراء الفقهية المرجوحة الشاذة التي فرقت بين الفرض والتطوع، فقال البعض: إنه لا يجوز أن تسجد للسهو في السنة، وإنما سجود السهو يكون للفرض، وهذا تمييز باطل، فسجود السهو للفريضة وللنافلة على السواء، كما فرقوا بين الناسي في صيام الفرض والناسي في صيام التطوع، وهذا تفريق باطل.

فإذا قال المرء: إن كنت تصوم نافلة فأكلت ناسياً فافطر؛ لأن صيامك لا يصح، وإن كان صيامك فريضة فصيامك، صحيح.

كل هذا كلام باطل وتفريق بغير دليل، ولذلك يقول البخاري: [باب: السهو في الفرض والتطوع] يعني: السهو شرع للتطوع كما شرع للفرض على السواء، وهذا رأي الجمهور؛ خلافاً لبعض الآراء الفقهية.

وسجد ابن عباس رضي الله عنهما سجدتين بعد وتره.

والوتر صلاة نافلة -صلاة تطوع- ولم يقل أحد: إن صلاة الوتر من الفروض إلا الأحناف، وهو قول مرجوح، إذ إن الراجح: أن الصلوات خمس في اليوم والليلة.

وآخر حياة النبي عليه الصلاة والسلام بيان واضح لهذا، فحينما أرسل معاذاً قبل موته بعام أو أكثر إلى اليمن قال: (يا معاذ! إنك قادم إلى أهل كتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه: لا إله إلا الله)، كلمة التوحيد: (فإن هم أجابوك لذلك فأخبرهم أن الله فرض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة)، فهذا حديث يحسم القضية من أولها.

وكذلك الرجل الذي جاءه وقال: (يا رسول الله! أخبرني عما فرض الله علي من صلوات؟ قال: خمس صلوات في اليوم والليلة قال: هل علي غيرها؟ قال: لا إلا أن تطوع)، ففي الحديث بيان أن الفروض خمسة بحق الإسلام، وربما يكون هناك فرض بحق الشرط مثلاً، كرجل نذر أن يصلي لله ركعتين فإنه يصبح النذر في حقه فرضاً؛ لأنه واجب بالشرط وليس واجباً بالشرع، فهناك واجب بحق الإسلام، وهناك واجبات تطرأ كصلاة الكسوف -مثلاً- عند من قال بوجوبها، وصلاة الاستسقاء عند من قال بوجوبها، هذه الصلوات وجبت لظروف طارئة، وليس الأصل فيها أنها مفروضة في اليوم والليلة إلى غير ذلك.

قال البخاري: [باب: السهو في الفرض والتطوع.

حدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن أحدكم إذا قام يصلي جاء الشيطان فلبس عليه حتى لا يدري كم صلى، فإذا وجد ذلك أحدكم فليسجد سجدتين وهو جالس)].

والدليل على تبويب البخاري أنه قال: (إن أحدكم إذا قام يصلي)، فالصلاة مطلقة؛ لأنه لم يقل: يصلي الفريضة، وإنما جاء بلفظ الصلاة عاماً، فالذي يريد أن يقيد يلزمه الدليل.

وكذلك: (من أكل أو شرب ناسياً فليتم صومه فإنما أطعمه الله)، فمن أكل أو شرب ناسياً سواءً كان في فرض أو كان في نفل؛ لأن التقييد يحتاج إلى دليل، فيلزم المخالف ولا يلزمني أنا؛ لأن الأصل أن ما ينطبق على الفرض ينطبق على السنة وليس العكس.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015