باب عذاب القبر من الغيبة والبول

قال البخاري رحمه الله: [باب: عذاب القبر من الغيبة والبول].

بعد أن أثبت البخاري عذاب القبر بالأدلة بدأ يذكر أسباباً له، فقال: (باب: التعوذ من عذاب القبر.

وباب: عذاب القبر من الغيبة والنميمة)، يعني: ما هي الأسباب المؤدية لعذاب القبر.

والغيبة: أن تذكر أخاك بما يكره، وكذلك البول.

ومعنى البول: عدم الاستنزاه من البول أو الاستتار كل هذا من أسباب عذاب القبر.

ثم روى البخاري رحمه الله من طريق ابن عباس: (مر النبي صلى الله عليه وسلم على قبرين فقال: إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير، ثم قال: بلى) يعني: بلى إنه لكبير، حتى لا يفهم البعض أنه ليس من الكبائر.

قال ابن القيم رحمه الله: يعني: أي: يعذبان في أمر كان من اليسير عليهما أن يتجنباه.

يعني: لا يعذبان في أمر كبير شاق عليهما، وإنما يعذبان في أمر كان من اليسير عليهما أن يتجنباه، وإنما هو كبير عند الله عز وجل.

[(أما أحدهما فكان يسعى بالنميمة، وأما الآخر فكان لا يستتر من بوله.

قال: ثم أخذ عوداً رطباً فكسره باثنتين، ووضع كل واحدة منهما على قبر، ثم قال: لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا)].

وقد شرحت هذا الحديث من قبل، وبينت أن هذه الخاصية للنبي صلى الله عليه وسلم، وخاصية لهذين القبرين؛ إذ لم يؤثر عنه أنه كان يضع الجريد على كل القبور، ولم يؤثر عن الصحابة أنهم كانوا يضعون الجريد على القبور، هذا أولاً.

ثانياً: أن الله سبحانه وتعالى أطلعه بهذين القبرين أنهما يعذبان، ولذلك جاء بجريدة وشقها إلى نصفين تبركاً بفعله عليه الصلاة والسلام.

ولعل هناك من يسأل: أنا لن آتي بجريدة وإنما سآتي بنخلة وأضعها على قبر أبي، فهل تشفع له النخلة؟ حتى لو جئت بشجرة، فرق بين يدك وبين يدي النبي عليه الصلاة والسلام.

ثالثاً: أن الله عز وجل أوحى إليه أنهما يعذبان، فلذلك من يضع الجريدة على قبر كأنه يعلن للناس أن القبر يعذب، وهذا سوء ظن بالميت، فأقول: هذه خاصية للنبي عليه الصلاة والسلام لاسيما أنه لم يكرر هذا الفعل إلا مع هذين القبرين.

وفي الحديث: أن من أسباب عذاب القبر الغيبة وعدم الاستتار من البول، والنميمة والغيبة صنوان، ومع هذا بينهما عموم وخصوص، وربنا عز وجل يقول: {وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ * هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ} [القلم:10 - 11]، ينم وينقل الكلام من جهة إلى جهة بغرض الإيقاع بين الناس، وإيغار الصدور، وهذه مشكلة ومرض خطير.

قال رجل لـ عمر بن عبد العزيز: (فلان وقع في عرضك وقال عنك كذا.

فقال: أيها الرجل! إن كنت كاذباً فيما تقول فأنت من الذين قال الله فيهم: ((هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ))، وإن كنت صادقاً فيما تقول، فأنت من الذين قال الله فيهم: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات:6] فأنت في الحالتين كاذب.

فقال: العفو يا أمير المؤمنين)، فهذا معناه أنه حينما يأتيك أحد يقول لك: فلان يقول فيك كذا، لابد أنه كما قال لك قال لغيرك، لابد أن يتعلم الأدب في عدم نقل الحديث من طرف إلى طرف، وهذا مرض ينتشر بيننا.

بعض الناس هذه وظيفته ليل نهار، حتى أن الصدور تضيق بالنقل، فلا تفعل هذا، هذه نميمة حتى وإن كنت صادقاً فلا يحسن بك أن تنقل الكلام لغرض الوقيعة وإيغار الصدور، هذه نميمة يا عبد الله فضلاً عن الغيبة، ولذلك كانت أحد أسباب عذاب القبر.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015