قال البخاري رحمه الله: [إذا قال المشرك عند الموت: لا إله إلا الله].
ثم ذكر قصة دخول النبي صلى الله عليه وسلم على عمه أبي طالب عند الموت وقوله له: (يا عم! قل: لا إله إلا الله).
وهذا الحديث مشكلة، فالمشرك إذا قال عند الاحتضار: لا إله إلا الله لا تنفعه، ففرعون قال عند الغرق: {قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرَائِيلَ} [يونس:90]، فآمن عند الموت، ولكن الله قال له: {آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ} [يونس:91].
فمن قال عند احتضاره كلمة التوحيد لم تقبل منه، فكيف يعرض النبي صلى الله عليه وسلم على عمه الإسلام عند الاحتضار؟ قال الإمام النووي في شرح صحيح مسلم: إن النبي عليه الصلاة والسلام عرض على عمه الشهادة في مرض الموت قبل أن يصل إلى الاحتضار، فالمرض قد يستمر طويلاً، وقد لا يكون هو مرض الموت، وبذلك نجمع بين النصوص.
قال البخاري رحمه الله: [عن سعيد بن المسيب عن أبيه أنه أخبره لما حضرت أبا طالب الوفاة]، يعني: مرض الموت ولما يدخل في السكرات، حتى نجمع بين النصوص، وإجابة ثانية: أن هذا خاصية للنبي عليه الصلاة والسلام، لو نطق عمه الشهادة عند الاحتضار لنفعته.
قال البخاري رحمه الله: [جاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد عنده أبا جهل بن هشام وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة، قال صلى الله عليه وسلم لـ أبي طالب: (يا عم! قل لا إله إلا الله، كلمة أشهد لك بها عند الله.
فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية: يا أبا طالب! أترغب عن ملة عبد المطلب؟)].
وهذا يبين خطورة الصاحب، فإن أبا جهل وعبد الله بن أبي أمية كانا سبباً في موت أبي طالب كافراً.
وقال أحد أساتذة الحديث في جامعة الأزهر سنة 96م: إن أبا طالب مات موحداً مسلماً.
قلت: كيف؟ قال: سمع النبي صلى الله عليه وسلم كلمة التوحيد منه، ولكنه أخفاها حتى لا يعارض القرآن.
وهذا جاهل، فالله يقول: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قُرْبَى} [التوبة:113]، والحديث واضح بين في البخاري ومسلم: [(قل يا عم!: لا إله إلا الله، وأبو جهل يقول له: أترغب عن ملة عبد المطلب؟ فقال: بل ملة عبد المطلب، فما زال النبي صلى الله عليه وسلم يعرضها ويعودان بتلك المقالة، حتى قال أبو طالب آخر ما كلمهم: هو على ملة عبد المطلب وأبى أن يقول: لا إله إلا الله، فقال صلى الله عليه وسلم وقد سالت دموعه على خده حزناً على موت عمه مشركاً (والله يا عم! لأستغفرن لك ما لم أنه عنك) يعني: لأطلبن لك المغفرة من الله إلا إن نهاني الله عن ذلك.
فأنزل الله في التوبة: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} [التوبة:113]]، وأنزل الله سبحانه: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} [التوبة:80]) وهذا تماماً يطابق موقف إبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، فإبراهيم عليه السلام وعد أباه أن يستغفر له كما في سورة مريم، فقال له: {سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا} [مريم:47]، فوعده بالاستغفار.
يقول ربنا عز وجل: {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ} [التوبة:114]، فتبرأ من أبيه، وهذا الولاء والبراء أصبح عقيدة ضائعة في بلاد المسلمين.
والولاء لكل موحد ومؤمن، والبراء من مشرك وكافر في كل شيء.
واليوم تجد حتى الشباب الصغار يلبسون فنايل رياضية ويكتبون عليها رقم عشرة واسم اللاعب البرازيلي رونالدو وهو مشرك، فما أفهموا أنه مشرك لا يجوز أن يحبوه ولا التشبه به، وحينما يستضيفون ممثلاً مسلماً أو ممثلة مسلمة في القنوات يسألون: من أسوتكم في الغناء؟ فيقولون: مايكل جاكسون.
فيتأسون بمشرك في الباطل.
والولاء والبراء أن تحب كل موحد، وأن تبغض كل مشرك، فالمشرك نبغضه بأمر الله سبحانه وتعالى لنا.
وعندما ولى أبو مو