قال البخاري رحمه الله: [باب إذا أسلم الصبي فمات هل يصلى عليه؟ وهل يعرض على الصبي الإسلام؟] يعني: صلاة الجنازة على الصبي، ثم هل يعرض الإسلام على الصبي الذي لم يبلغ الحلم؟ قال البخاري رحمه الله: [حدثنا سليمان بن حرب].
وسليمان بن حرب شيخ البخاري.
[حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد بن زيد عن ثابت عن أنس رضي الله عنه قال: كان غلام يهودي يخدم النبي صلى الله عليه وسلم فمرض فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده فقعد عند رأسه.
] وهذا الحديث لا يستدل به على جواز عيادة أهل الكتاب؛ لقول أنس في مطلع الحديث: كان الصبي يخدمه، فلما مرض عاده النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأجل أن يعرض عليه الإسلام، وإلا فعيادة أهل الكتاب من مظاهر المودة القلبية، إلا إذا كان جاراً لك فعده بحق الجوار، وأما غير الجار فلا يجوز.
قال: (فقعد عند رأسه فقال له: أسلم.
فنظر إلى أبيه وهو عنده).
] والجار ثلاثة أصناف، فجار له حق، وجار له حقان، وجار له ثلاثة حقوق: فالجار المشرك تعوده بحق الجوار، وأما غير الجار فعيادته من مظاهر المودة، قال تعالى: {لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ} [المجادلة:22].
فلا تعد المشرك أياً كان إلا للدعوة، كما فعل النبي عليه الصلاة والسلام.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم للصبي: (أسلم)، فنظر الصبي إلى أبيه.
وعندما ينزل الولد من بطن أمه ينزل على الفطرة، وهي العقيدة الإسلامية، ولذلك قال في الحديث: (كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه) ولم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم أو يسلمانه؛ لأنه يولد أصلاً على الإسلام.
ومن أسرار الكنيسة السبعة: سر المعمودية، فيأتون بالصبي بعد مولده بسنة ذكر ويغطونه في بئر وينصر ويدق له وإذا كان قد ولد على النصرانية فلماذا يعمدونه؟ ونحن لم نر مسلماً يأتي بولده الصغير ويغطسه ويقول: كن مسلماً؛ لأن المسلم يعلم أن الإسلام أصل في ولده، وأما النصارى فهم يخرجونه عن أصله.
قال البخاري رحمه الله: (فنظر إلى أبيه وهو عنده، فقال له الأب: أطع أبا القاسم) صلى الله عليه وسلم.
وأبو القاسم كنية النبي صلى الله عليه وسلم، وهو القائل: (تسموا باسمي ولا تكتنوا بكنيتي، ومن رآني في المنام فقد رآني حقاً).
والنهي عن التكني بأبي القاسم محمول على حال حياته؛ وذلك لعلة وروده، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم في سوق فقال رجل: يا أبا القاسم فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: لا أريدك يا رسول الله إنما أريد هذا الرجل، فقال: (تسموا باسمي ولا تكتنوا بكنيتي).
لأن قوله: لا أريدك يا رسول الله! لا يجوز مع شخص رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: (تسموا باسمي).
فالحديث له علة، وأما بعد موته فيجوز التكني بكنيته.
قال البخاري رحمه الله: (فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: الحمد لله الذي أنقذه بي من النار).
] فالحديث هذا حجة في أن هذا الصبي الذي لم يبلغ الحلم إن مات يهودياً أن مآله ومصيره إلى النار، والراجح أن أبناء المشركين يختبرون يوم القيامة، فربما يقصد النبي صلى الله عليه وسلم نار الاختبار؛ لأنه جاء عند ابن حبان: (أربعة يدلون بحجتهم يوم القيامة: رجل أصم -يعني: لا يسمع- يقول: يا رب! لقد جاء الإسلام وأنا لا أسمع)، وهذا ينطبق على من لم يسمع الدعوة إلى الآن في بعض البلاد، فالله يقول: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء:15].
وقال: {لِأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} [الأنعام:19]، فلا بد من بلاغ الدعوة.
(ورجل أبكم، ورجل هرم -يعني: بلغ من الكبر عتياً- ورجل من أهل الفترة)، أي: لم يسمع بالرسل، فيختبرهم الله عز وجل يوم القيامة فينشئ لهم ناراً ويأمرهم بدخولها، وتسمى هذه النار نار الاختبار، فإن دخلوها أدخلهم الله الجنة.
فقد يكون المقصود بهذا الحديث نار الاختبار.
يقول البخاري رحمه الله: [حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان قال عبيد الله: سمعت ابن عباس رضي الله عنهما يقول: كنت أنا وأمي من المستضعفين، أنا من الولدان وأمي من النساء.
] وفي هذا أيضاً جواز عرض الإسلام على الصبي.
[وفي حديث أبي اليمان أخبرنا شعيب قال ابن شهاب: يصلى على كل مولود متوفى، وإن كان لغية من أجل أنه ولد على فطرة الإسلام، يدعي أبواه الإسلام أو