إذا هبط الحجّاج أرضا مريضة … تتبّع أقصى دائها وشفاها
شفاها من الدّاء العضال الّذي بها … غلام إذا هزّ القناة سقاها
سقاها فروّاها بشرب سجاله … دماء رجال حيث مال حشاها
إذا سمع الحجّاج زحف كتيبة … أعدّ لها قبل النّزول قراها
أعدّ لها مسمومة فارسيّة … بأيدي رجال يحلبون صراها
فما ولد الأبكار والعون مثله … ببحر ولا أرض يجفّ ثراها
قال: فلما قالت هذا البيت قال الحجاج: قاتلها الله. ما أصاب صفتي شاعر مذ دخلت العراق غيرها، ثم التفت الى عنبسة بن سعيد فقال: والله إنّي لأعدّ للأمر عسى أن لا يكون أبدا، ثم التفت إليها فقال لها: حسبك، فقالت: إني قلت أكثر من هذا؟ فقال: ويحك حسبك: ثم قال: يا غلام، اذهب إلى فلان فقل له:
اقطع لسانها. فذهب بها فقال له: يقول لك الأمير: اقطع لسانها، فأمر بإحضار الحجام، فالتفتت إليه فقالت: ثكلتك أمك: أما سمعت ما قال؟ إنما أمرك أن تقطع لساني بالصّلة، فبعث إليه يستثبته، فاستشاط الحجاج غضبا وهمّ بقطع لسانه فقال: أرددها، فلما دخلت عليه قالت: كاد وأمانة الله يقطع مقولي، ثم أنشأت تقول:
حجّاج أنت الّذي ما فوقه أحد … إلّا الخليفة والمستغفر الصّمد
حجّاج أنت شهاب الحرب إن لقحت … وأنت للنّاس نور في الدّجى يقد
ثم أقبل الحجاج على جلسائه فقال: أتدرون من هذه؟ قالوا: لا والله أيها الأمير، ما رأينا قطّ أحدا أفصح لسانا، ولا أحسن محاورة ولا أملح وجها، ولا