والجملة دعائية مقول القول، والعفو - بفتح العين المهملة وسكون الفاء -: التراب المنبث في الهواء، والبَرَى - بفتح الموحدة -: التراب، و " هم " مبتدأ و " الأُلى " خبره، والجملة الشرطية مع جوابها صلة الالى، وجواب القسم بعد أبيات ثلاثة على هذا النمط، وهو: أزَالُ حَشْوَ نَثْرَةٍ مَوْضُونَةٍ * حَتَّى أُوَارَى بَيْنَ أثْنَاءِ الْجُثَى
أي: لا أزال، فحذفت لا النافية، كقوله تعالى: (تفتؤ تذكر يوسف) وحَشْو: بمعنى لابس، لأن حشو الشئ يلبس الشئ، والنثرة: الدرع السابغة، والموضونة: المحكمة، وَأُوَارَى: بالبناء للمفعول بمعنى أغَطَّى، والأثناء: جمع ثِنْي - بكسر فسكون - وهو تراكب الشئ بعضه على بعض، والْجُثَى - بضم الجيم -: جمع جَثْوَة بفتحها، وهو التراب المجموع ويعني به تراب القبر.
وابن دريد هو أبو بكر محمد بن الحسن الأزْدِي، ولد بالبصرة ونشأ بها، أخذ العلم عن جم غفير من المشاهير، كأبي حاتم، والرياشى، والأُشْنَانَدَانِيِّ، وابنْ أخي الأصمعي، ثم خرج إلى نواحى فارس، وصحب جماعة من ملوكها وصحب ابْنَ مِيَكَال الشاه، وأخاه، وكانا يومئذٍ على عمالة فارس، فعمل لهما كتاب الجمهرة في اللغة، وقلداه ديوان فارس، ثم مدحهما بهذه القصيدة المقصورة وهي تشتمل على نحو الثلث من المقصور، وفيها كل مثل سائر، وخبر نادر، والمواعظُ الحسنة، والحكمُ البالغةُ، وقد شرحتها قديماً شرحاً مختصراً فيه حَلُّ ألفاظها وبيان معانيها وعاش رحمه الله ثلاثاً وتسعين سنة، ومات في سنة إحدى وعشرين وثلثمائة، وقد استوفينا الكلام على ترجمته وسرد مؤلفاته وأحواله في شرح المقصورة ولنختم الكلام بحمد الله ذي الإنعام، والصلاة والسلام على أفضل رسله الكرام محمد وعلى آله وصبحه العظام