انحطت من السماء فجذبتني، فلما كان من الغد قاتل إلى الليل ثم غاداهم فقتل يومئذٍ، فلما قتل الربيع تدافع أهل البصرة الراية حتى خافوا العطب، إذ لم يكن لهم رئيس، ثم أجمعوا على الحَجَّاج بن باب الحِمْيَرِيِّ، وقد اقتتل الناس يومئذٍ وقبله يومين قتالاً شديداً لم يقتتلوا مثله: تطاعنوا بالرماح حتى تقصَّفتْ، ثم تضاربوا بالسيف والعَمَد حتى لم يبق لأحد منهم قوة، حتى كان الرجل يضرب الرجل فلا يغني شيئاً من الإعياء، وحتى كانوا يترامون بالحجارة ويتكادمون بالافواه، فلما تدافع القوم الراية اتفقوا على الحجاج وامتنع من أخذها، فقال له كُرَيب بن عبد الرحمن: خذها ولا تخف، فإنها مَكْرُمة، فقال إنها لراية مشئومة ما أخذها أحد إلا قتل، فقال له كريب: يا أعور تقارعت العرب (على أمرها) ثم صيروها إليك

فتأبى خوف القتل؟ خذ اللواء، فإن حضر أجلك قتلت: كانت معك أو لم تكن، فأخذ اللواء وناهضهم واقتتلوا حتى انتقضت الصفوف وصاروا كراديس (?) ، والخوارج أقوى عُدَّة بالدروع والجواشِن (?) ، فجعل الحجاج يغمض عينيه ويحمل حتى يغيب في الشُّراة ويَطْعُن فيهم، ويقتل حتى يظن أنه قد قتل، ثم يرفع رأسه وسيفه يقطر دماً، ويفتح عينيه فيرى الناس كراديس يُقاتل كلُّ قوم في ناحية، ثم التقى الحجاج وعِمْرَان بن الحارث الراسبيُّ فاختلفا ضربتين: كل منهما قتل صاحبه، ثم تحاجزوا فأصبح أهل البصرة وقد هرب عامتهم وولوا حارثة بن بدر الغُدَانِيَّ أمرهم، فلما تسلم الراية نادى فيهم أن يثبتوا فإذا فتح الله عليهم فللعرب زيادة فريضتين وللموالي زيادة فريضة، وندب الناس فالتقوا وليس بأحد منهم قوة وقد فشت فيهم الجراحات، وما تطأ الخيل إلا على القتلى، فبينا هم كذلك إذا أقبل من اليمامة جمع من الشُّرَاة يقول المُكَثِّر إنهم مائتان، والمقلل: إنهم أربعون، فاجتمعوا وهم مريحون مع أصحابهم فصاروا كوكبة واحدة، فحملوا على الناس فلما رآهم حارثة بن بدر نكص برايته فانهزم وقال:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015