على كل حال الإمام -رحمه الله- يمكن أنه لحظ مثل هذا أن طالب علم قد يقرأ الباب الأول ولا يتسنى له قراءة الباب الثاني إلا بعد وقت فيمس ذكره فيتوضأ، فقدم له الناسخ ليعمل به، ثم بعد ذلك من باب العلم يستفيد الطالب من الباب الثاني.
"باب: ما جاء في ترك الوضوء من مس الذكر" يعني هل يقال في ترك الوضوء يعني ما تفيده هذه الجملة ترك الوضوء من مس الذكر هل يستفاد من هذه الترجمة أن الوضوء من مس الذكر كان مقرراً ثم ترك؟ لأن ترك الوضوء ليس معناها عدم الوضوء فقط، يعني لو قال: باب: ما جاء في عدم الوضوء من مس الذكر انتهى الإشكال، لكن ترك الوضوء من مس الذكر، يدل على أن مس الذكر كان ينقض الوضوء ثم ترك، العبارة تفهم هذا؛ لأن الترك لا يكون إلا بعد فعل، كما جاء في الحديث الصحيح: "كان آخر الأمرين من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ترك الوضوء مما مست النار" كان يتوضأ مما مست النار ثم ترك، فهل كان يتوضأ من مس الذكر ثم ترك؟ يعني اللفظ هنا يفيد أنه كان الوضوء من مس الذكر ثم ترك، يعني هل ترك بمعنى عدم؟ عدم الوضوء من مس الذكر؟ عدم الوضوء ما يدل على أنه كان مأموراً به ثم ترك، يعني هل الكلمتين متوازيتين من كل وجه؟ لا، الترك إنما يكون بعد فعل، فهل نقول: إن الترمذي يرى أن حديث بسرة متقدم وحديث طلق متأخر فهو ناسخ له؟ لأنه صحح، صحح حديث بسرة، وترتيبه أيضاً وقوع المنسوخ قبل ثم الناسخ على حد ما فهمنا من ترك الوضوء من مس الذكر، جمهور أهل العلم على خلاف هذا، أنه كانت المسألة على البراءة الأصلية، استصحاب الأصل يقتضي عدم الوضوء من مس الذكر، والتعليل ظاهر، ((وهل هو إلا مضغة منك أو بضعة منك؟! )) التعليل ظاهر، يعني كما لو مسست أنفك أو أصبعك أو ما أشبه ذلك، ما هو إلا بضعة منك، يعني قطعة منك، وهذا على الأصل مما يدل على أن حديث بسرة ناقل عن هذا الأصل فهو متأخر عنه، والتاريخ يشهد بهذا، كلهم يتفقون على أن طلق بن علي إنما وفد على النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو يبني المسجد، وله خبرة بالبناء، له خبرة ماهر في خلط الطين، فوكل إليه هذا الأمر، واستفيد منه في هذا الباب، ولدغته عقرب فرقاه النبي -عليه الصلاة والسلام-.